لو لا انزل علينا الملائكة ، وقال الرّسول (ص) تشكيّا منهم (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) يعنى جملة القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (مَهْجُوراً) متروكا ، وفي خطبة عن أمير المؤمنين (ع) فانا الذّكر الّذى عنه ضلّ ، والسّبيل الّذى عنه مال ، والايمان الّذى به كفر ، والقرآن الّذى ايّاه هجر ، والدّين الّذى به كذّب (وَكَذلِكَ) اى مثل جعل الأعداء لك مشتملا على حكم ومصالح عديدة من سوق اتباعك الى دار الآخرة كما قيل :
اين جفاى خلق بر تو در جهان |
|
گر بدانى گنج زر آمد نهان |
خلق را با تو چنين بد خو كند |
|
تا ترا ناچار رخ آن سو كند |
آن يكى واعظ چو بر منبر بدى |
|
قاطعان راه را داعي شدى |
مى نكردى أو دعا بر اصفيا |
|
مى بكردى أو خبيثان را دعا |
مرو را گفتند كأين معهود نيست |
|
دعوت أهل ضلالت جود نيست |
گفت نيكوئى از اينها ديده ام |
|
من دعاشان زين سبب بگزيده ام |
چون سبب ساز صلاح من شدند |
|
پس دعاشان بر من است اى هوشمند |
ومن نشر فضلك في العالم وإيصال صيتك الى اسماع بنى آدم فانّ فضل الفاضل ينشره حسد الحاسدين ومن توجيه النّاس وترغيبهم الى رؤيتك وصحبتك فانّ النّفوس مفطورة على التّوجّه الى كلّ جديد ، ومن تمييز المؤمن عن الكافر والخالص عن المنافق ، ومن ظهور المعجزات عنك بسبب العداوة ومن تمكينك في دينك وتمكين اتباعك وتقوية قلوبكم وغير ذلك من المصالح (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) المراد بالعدوّ امّا الجنس المطلق على الواحد والكثير ، أو المراد به معنى الجمع فانّه كان لكلّ نبىّ أعداء عديدة ولفظ العدوّ يطلق على الواحد والجمع (مِنَ الْمُجْرِمِينَ) لا المؤمنين (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) تسلية له (ص) ولامّته من شدّة الخوف من كثرة الأعداء (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) يعنى تارة يقولون : لو لا انزل علينا الملائكة سخريّة بك ، وتارة يقولون : ان كان ما يقول حقّا فلم لا ينزل القرآن عليه مجموعا؟ ولاىّ سبب ينزل عليه آية بعد آية؟! فانّ الله الّذى يدّعى هو الرّسالة منه قادر على إنزال الكتاب جملة وليس يحتاج الى تأمّل وتروّ ومضىّ زمان لجمعه وتأليفه ، ووضع المظهر موضع المضمر لاحضارهم بصفتهم الفظيعة (كَذلِكَ) الانزال بالتّفريق أنزلناه (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) فانّه كلّما نزل عليك آية من القرآن ازداد أنسك بالرّحمن ، وكلّما ازداد أنسك ازداد ثبات قلبك على الدّين (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) عطف على أنزلناه المقدّر ، والتّرتيل القراءة بتؤدة (١) والمراد قرأناه عليك مفصولا متفرّقا في ثلاث وعشرين سنة (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) اى بحال شبيهة بحالك في ادّعاء الرّسالة مثل قولهم : هذا ملك الرّوم وملك الفرس إذا أرسلوا رسولا كان له خدم وحشم وضياع وعقار وخيام وفساطيط ، وحالهم في الرّسالة شبيهة بحالك في ادّعاء الرّسالة من الله الّذى هو خالق الأرض والسّماء ، بل حالك في هذا الادّعاء اجلّ وارفع من حالهم وإذ ليس لك مثل ما لهم فلم تكن رسولا أو بحال شبيهة بحالك في البشريّة مانعة من الرّسالة مثل قولهم : انّك تأكل وتمشي في الأسواق مثلنا وهذه الحالة تدلّ على الاحتياج ، والاحتياج ينافي الرّسالة من الغنىّ المطلق ، أو بحال شبيهة بحالك بل أشرف من حالك ولم ينزل الى صاحبها ملك ولم يصر رسولا فلست أنت برسول مثل قولهم : لو لا أنزل إلينا الملائكة فانّه في معنى قولهم ، نحن أشرف حالا منه من حيث تربية الآباء وتعليم المعلّمين واكتساب الفضائل الانسانيّة فانّا قد تدرّسنا في مدارس العلم وأتعبنا أنفسنا في تحصيل العلوم والحكمة واكتسبنا الخطّ والكتابة ، ومن حيث الجدة والحسب ولم نصر رسلا فكيف صار هو رسولا من بيننا مع انّه لم يرأبا ولم يحصّل علما
__________________
(١) التؤدة بضم التاء وفتح الهمزة أو سكونها.