أبصارهم وانظارهم من النّظر الى ما لا يحلّ لهم النّظر اليه ، أو من النّظر الى ما لا ينبغي لهم النّظر اليه سواء كان عدم استحقاق النّظر من باب الحرمة أو من باب الكراهة أو من النّظر الى ما سوى الله وآياته كما يجيء (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) من ان ينظر إليها من لا يحلّ له النّظر إليها كما في الخبر ، أو من مطلق النّظر إليها سواء كان النّاظرون أنفسهم أو غيرهم حلالا كان النّظر أو غير حلال على ان يكون النّظر الى الفروج مكروها ممّن يحلّ له النّظر إليها كنظر صاحبي الفروج ونظر الأزواج الى عوراتهم ويكون الأمر المقدّر اعمّ من الوجوب والاستحباب ، أو يحفظوا فروجهم من الوطي الغير الحلال أو يحفظوا فروجهم من الوطي الغير الحلال ومن النّظر الغير الحلال ، أو يحفظوا فروجهم من النّظر والوطي مطلقا على ان يكون الحكم للبايعين البيعة الخاصّة الولويّة ويكون الوطي والنّظر الى الفروج وكون الفروج منظورا إليها ممنوعا في حقّهم ، فانّ السّالك الى الله حكمه حكم المحرم ما لم يتمّ سلوكه ولم يحلّ من إحرامه للحجّ الحقيقىّ فلم يحلّ لرجالهم التّمتّع بالنّساء وبسائر ملاذّ النّفس ولا لنسائهم التّمتّع بالرّجال وبسائر ملاذّ النّفس بل لا يجوز لهم الالتفات الى ما سوى الله وما سوى مقصدهم (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) اطهر لهم أو أصلح أو أنمى لانّه ابعد من الرّيبة والاشتغال بملاهى النّفس (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) من النّظر وترك النّظر فيجازيهم بحسبه (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) هذا أيضا مجمل محتمل لوجوه ومراد بكلّ وجوهه فانّه يجوز ان يفسّر إبداء الزّينة بابداء نفس الزّينة لمن لا يجوز له النّظر الى جسدهنّ من غير المحارم ، وان يفسّر بابداء مواضع الزّينة لانّ الزّينة ممّا يجوز للأجانب النّظر إليها ، وان يفسّر بمطلق إبداء الزّينة أو مطلق إبداء مواضع الزّينة من غير النّظر الى ناظر ونظرة محرّم أو غير محرّم بان يكون نفس إبداء الزّينة بحيث لو نظر ناظر لرآها حراما نظر ناظر أم لم ينظر ، وهذا على ان يجعل النّهى للبايعات البيعة الخاصّة الولويّة ويكون حكم السّالكات عدم الالتفات الى ما سوى الله ما لم يحللن من سلوكهنّ واحرامهنّ فيكون التفاتهنّ الى الزّينة وابداؤها حراما عليهنّ (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) من الثّياب الظّاهرة وزينة المواضع المستثناة ونفس تلك المواضع الّتى ليست بعورة في النّساء كالخاتم والسّوار والكحل والخدّين والكفّين والقدمين.
اعلم ، انّ نهى النّساء عن إبداء زينتهنّ ونهى الرّجال عن النّظر الى زينتهنّ انّما هو لكون الزّينة وابدائها والنّظر إليها مقدّمة للفساد ومورثا للرّيبة وموجبا للافتتان وقد ورد عن النّبىّ (ص) خطابا لعلىّ (ع) : يا علىّ اوّل نظرة لك والثّانية عليك لا لك يعنى ان افتتنت بالنّظرة وعدت الى الثّانية كانت وبالها عليك ، وفي رواية لكم اوّل نظرة الى المرأة فلا تتسحّبوها بنظرة اخرى واحذروا الفتنة فعلى هذا لو خيف من الرّيبة والافتتان بالنّظر الى الوجه والكفّين والقدمين وزينتها لم يجز للمرأة ابداؤها ولا للمرء النّظر إليها ، ولو لم يخف من الرّيبة جاز إبداء الزّينة الظّاهرة والمواضع المستثناة وجاز للاجنبىّ النّظر إليها ولو لم يخف من الرّيبة جاز النظر الى غير الزّينة الظّاهرة من الزّينة الباطنة وغير المواضع المستثناة مثل الرّأس والشّعر والسّاق والذّراع إذا لم تكن من المسلمات اللّواتى لهنّ الحرمة والرّفعة كالاماء وأهل البد واللّاتى لا يمكنهنّ التّحفّظ عن الأجانب ولا يمكن لمعاشريهنّ الاحتراز عن النّظر إليهنّ ، واختلاف الاخبار ناظر الى اختلاف الأحوال والأشخاص في الرّيبة وعدمها والحرمة وعدمها وإمكان التّحفّظ وعدمه (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَ) جمع الخمار بالكسر كالخمر بالسّكون ، والخمار المقنعة الّتى هي غطاء رأس المرأة المتسدّل على جنبيها ، كانت النّساء يلقين مقانعهنّ على ظهورهنّ وتبدو صدورهنّ فقال تعالى : وليلقين خمرهنّ (عَلى جُيُوبِهِنَ) حتّى لا تبدو صدورهنّ فانّ الصّدور اشدّ شيء في الافتتان بها (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) تكرار