ما لا يعرفه العقل والعرف حسنا وهو ما لا يكون بالغا في القبح (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) زكى يزكو زكاء نما كأزكى وزكى الرّجل صلح وتنعّم وصفا من الكدورات (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) باستعداد من قبله بسبب قوله أو فعله (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقواله المقاليّة والحاليّة (عَلِيمٌ) بأفعاله وأحواله ونيّاته واستعداداته المكمونة الغير الظّاهرة عليه وعلى غيره (وَلا يَأْتَلِ) الا الوا كالضّرب والوّا كالقعود واليّا كالمضىّ وائتلى قصّر وأبطأ وتكبّر وآلى وائتلى حلف ، وقيل في نزول الآية : انّه آلى جماعة من الصّحابة على ان لا يتصدّقوا على رجل تكلّم بشيء من الافك ولا يواسوهم ، وقيل : نزلت الآية في ابى بكر ومسطح بن اثاثة وكان ابن خالة ابى بكر وكان من المهاجرين ومن البدريّين وكان فقيرا ويتحمّل نفقته ابو بكر وكان من رؤساء أصحاب الافك فلمّا خاض في الافك قطع عنه وحلف ان لا ينفعه بنفع فلمّا نزل : ولا يأتل (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) عاد الى مواصلته والمراد بالفضل هو السّعة الّتى تفضل عمّا يحتاج اليه الإنسان في إنفاقه ، والسّعة اعمّ منه وممّا كان بقدر حاجة الإنفاق بنحو السّعة ، أو أحدهما مخصوص بالمال والآخر بسعة القلب من حيث العلم والأخلاق (أَنْ يُؤْتُوا) كراهة ان يؤتوا أو على ان لا يؤتوا ، أو في ان يؤتوا ، وهذا على ان يكون لا يأتل بمعنى لا يحلف وان كان بمعنى لا يقصّر فهو بتقدير في اى لا يقصّر أولوا الفضل منكم في ان يؤتوا (أُولِي الْقُرْبى) اى اولى قرباهم أو اولى قربى الرّسول (ص) (وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) قرئ ان تؤتوا وهذان بالغيبة والخطاب وقد مضى مكرّرا انّ العفو عبارة عن ترك الانتقام سواء كان قرينا لحقد القلب على المسيء أو لم يكن ، والصّفح عبارة عن تطهير القلب عن الحقد عليه لكنّهما كالفقراء والمساكين إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا ، والآية اشارة الى كيفيّة حسن العمل مع المسيء خصوصا على ما نقل من سبب نزولها فكأنّه قال : وليعفوا عن المسيء وليصفحوا ولا يأتل أولوا الفضل في الإحسان اليه إذا كان أهلا للإحسان (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ترغيب في المراتب المذكورة بأحسن وجه يعنى انّ الله يغفر للمسيء ومن أراد أن يغفر الله له فليشاكل الله في العفو عن المسيء فانّ المشاكل لله يغفر الله له لا محالة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لمن يغفر عن المسيء ويرحم من يحسن الى المسيء (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) ممّا قذفن به (الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) كرّره لانّ الاوّل لبيان العقوبة الصّوريّة والحدود الدّنيويّة وهذا لبيان العقوبة الاخرويّة والحدود الباطنيّة وللتّنبيه على عظم الذّنب (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) قرئ بالتّاء والياء (أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ) اى جزاءهم (الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) روى انّه ليست تشهد الجوارح على مؤمن انّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) المراد بالخبيثات والطّيّبات الأقوال الخبيثة والطّيّبة بقرينة ذكرها عقيب الافك ، أو الأعمال الخبيثة والطّيّبة سواء كانت من سنخ الأفعال والأقوال ، أو العلوم والأخلاق والأحوال ، أو المراد بها النّساء الخبيثات والطّيّبات بقرينة ذكرها عقيب إفك عائشة أو مارية ، أو المراد مطلق ما تسمّى بالخبيثات والطّيّبات سواء كانت من سنخ الأقوال والأوصاف ، أو من سنخ الذّوات من المطعومات والمشروبات والملبوسات والمنظورات والمسكونات والمنكوحات ، وعلى تعميم الخبيثات ينبغي تعميم الخبيثين للرّجال والنّساء بطريق التّغليب ،