اعلم ، انّ الأزمان متشابهة وأهل كلّ زمان حالهم تشابه حال أهل الزّمان السّالف والآتي فانّ أهالي الازمنة السّالفة على ما وصل إلينا من سيرهم كانوا مثل أهل هذا الزّمان ، كانوا ينتحلون الدّين لأغراض نفسانيّة لا لغايات انسانيّة وكانوا يغتابون ويتّهمون من كان داخلا في الدّين مثلهم وكانوا يتجسّسون عوراتهم ويعيبون عليهم ويلمزون بعضهم بعضا بالألقاب ويسرّون بظهور سوءات إخوانهم ، ويساءون بظهور محاسنهم ، وكلّ ذلك كان منافيا للدّين بل مناقضا للغايات المقصودة من التّديّن (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ) ما يصحّ (لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ) لو لا قلتم سبحانك تعجّبا من الجرأة على مثل هذا القول أو تنزيها لله من ان يكون حرم نبيّه (ص) فاجرة لانّ في فجورها كراهة النّاس له وكراهتهم ينافي دعوته (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) في نفسه فانّ نسبة الفجور أعظم بهتان ، وبالنّسبة الى المبهوت عليه فانّها حرم الرّسول (ص) (يَعِظُكُمُ اللهُ) ينصحكم ويطلب الخير لكم (أَنْ تَعُودُوا) لئلّا تعودوا ، أو كراهة ان تعودوا ، أو في ان تعودوا ، أو يمنعكم بالوعظ من ان تعودوا (لِمِثْلِهِ أَبَداً) ما دمتم في الدّنيا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط للتّهييج لانّ الايمان يقتضي عدم التّفوّه بمثله في حقّ من كان في دينه (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) اى علامات الأحكام وآثارها أو الآيات التّدوينيّة الدّالّة على الأحكام التّكليفيّة القالبيّة والقلبيّة (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم ما ينبغي وما لا ينبغي لكم وما يترتّب على أفعالكم (حَكِيمٌ) لا يشرع لكم حكما ولا يمنعكم من امر الّا لحكمة مقتضية ذلك (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الفاحشة الزّنا أو ما يشتدّ قبحه ، أو كلّ ما نهى الله عزوجل عنه (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) متعلّق بتشيع والمعنى الّذين يحبّون ان تكثر الزّنا أو سائر الفواحش في الّذين آمنوا ، أو الّذين يحبّون ان يكثر ذكر الفاحشة في الّذين آمنوا ، أو ظرف مستقرّ حال من الفاحشة ، والمعنى انّ الّذين يحبّون ان تظهر الفاحشة الثّابتة في المؤمنين ويكثر ذكرها (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) بالحدّ المقرّر له في الشّريعة أو بالعذاب عند الاحتضار أو بالخوف من الافتضاح أو باستيحاش المؤمنين منهم (وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ) انّ لهم عذابا في الدّنيا والآخرة ولذا يمنعكم عن العود (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولذا تحبّون ولا تخافون والجملة معطوفة على جملة انّ الّذين يحبّون ، أو على اسم انّ وخبرها وكلتاهما في مقام التّعليل لقوله يعظكم الله أو جملة الله يعلم حاليّة مفيدة للتّعليل ، وعن الصّادق (ع) انّه قال : من قال في المؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الّذين قال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) (الآية) وعن الكاظم (ع) انّه قيل له : الرّجل من إخواني بلغني عنه الشّيء الّذى أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرنى عنه قوم ثقاة؟ ـ فقال : كذّب سمعك وبصرك عن أخيك وان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدّقه وكذّبهم ولا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروّته فتكون من الّذين قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) (الآية) وعن رسول الله (ص) من أذاع فاحشة كان كمبتديها (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تكرار هذه الكلمة اشارة الى نهاية قبح هذا القول وشدّة الغضب لأجله ونهاية قبح حبّ شياع الفاحشة في المؤمنين ، وحذف الجواب هاهنا للاشعار بشدّة القبح وشدّة الغضب على حبّ شياع الفاحشة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ناداهم إظهارا للّطف بهم وترغيبا لهم في استماع خطابه (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) في اشاعة الفاحشة ورمي البريء وغير البريء وقد مضى في سورة البقرة عند قوله (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) تحقيق الخطوات (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) يضلّ ويشقى (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) البالغة في القبح (وَالْمُنْكَرِ)