فلم تجد عقدها فرجعت في التماسها عقدها فحبسها ابتغاؤه واقبل الرّهط الّذين يحملون هودجها فحملوا هودجها ظنّا منهم انّها فيه ووجدت عقدها ، ورجعت فلم يجد في المعسكر داعيا ولا مجيبا فبقيت في المنزل الّذى كانت فيه ظنّا منها انّ القوم سيفقدونها ، وكان صفوان بن المعطّل السّلمىّ جاء من وراء الجيش فأصبح عند منزلها فعرفها فأناخ راحلته فركبتها فقادها حتّى أتيا الجيش ، فقال المنافقون ما قالوا في حقّها ، فأنزل الله تلك الآيات لتبرئتها ، ونقل عن الخاصّة انّها نزلت في مارية القبطيّة وما رمتها به عائشة ، روى عن الباقر (ع) انّه قال لمّا هلك إبراهيم بن رسول الله (ص) حزن عليه رسول الله (ص) حزنا شديدا فقالت له عائشة ما الّذى يحزنك عليه فما هو الّا ابن جريح فبعث رسول الله (ص) عليّا (ع) وامره بقتله فذهب علىّ (ع) ومعه السّيف وكان جريح القبطىّ في حائط فضرب علىّ (ع) باب البستان فأقبل اليه جريح ليفتح له الباب فلمّا رأى عليّا (ع) عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان فوثب علىّ (ع) على الحائط ونزل الى البستان واتبعه وولىّ جريح مدبرا ، فلمّا خشي ان يرهقه صعد في نخلة وصعد علىّ (ع) في اثره فلمّا دنى منه رمى بنفسه من فوق النّخلة ، فبدت عورته فاذا ليس له ما للرّجال ولا له ما للنّساء ، فانصرف علىّ (ع) الى النّبىّ (ص) فقال له يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوبر امضى على ذلك أم أتثبّت؟ ـ قال : لا بل تثبّت ، قال : والّذى بعثك بالحقّ ما له ما للرّجال وماله ما للنّساء فقال : الحمد لله الّذى صرف عنّا السّوء أهل البيت ، وروى حكاية رمى المارية بنحو آخر (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) عدل عن الخطاب الى الغيبة اشعارا بانّ الايمان يقتضي ظنّ الخير بالمؤمن فانّ الايمان الّذى بمعنى الإسلام يقتضي التّسليم وعدم الاستبداد بالرّأى وعدم التّفوّه بما يقتضيه الهوى وظنّ التّسليم والانقياد بالمؤمنين ومع ظنّ التّسليم بالمؤمن لا يبقى ظنّ اتّباع الهوى والفاحشة به ، وقدّم الظّرف لانّ المقصود التّوبيخ على عدم ظنّ الخير حين سماع الافك والتّحضيض على ظنّ الخير حينئذ والّا ففي غير زمان الافك يكون ظنّ الخير مسلّما مفروغا عنه ، والمراد من المؤمنين والمؤمنات صفوان وعائشة أو مارية وجريح ، أو المراد جملة المؤمنين والمراد من أنفسهم من ذكر لكنّه ادّاهم بقوله بأنفسهم للاشعار بانّ المؤمنين ينبغي ان يكون كلّ بمنزلة نفس الآخر (وَقالُوا) عطف على ظنّ المؤمنون (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) وهذا من جملة مقول القول أو ابتداء كلام من الله واشارة الى انّ المدّعى إذا لم يكن عليه البيّنة المعتبرة فيه مكذّب عند الله ويترتّب عليه حكم الكذب (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) كرّر هذه الكلمة لانّ الاوّل في رمى الزّوج وهذا في قضيّة خاصّة هي رمى مارية أو عائشة (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) ذكر الجواب هاهنا جريا على اقتضاء الغضب التّطويل والتّغليظ وتصريحا بعظم العذاب وبانّ سبب هذا الغضب وتغليظ العذاب هو الخوض في هذا الافك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) يعنى لا بقلوبكم يعنى تديرونه بينكم من غير تحقيق له كأنّ ألسنتكم تأخذه وتقبل ما يلقيه غيركم من غير اطّلاع ذواتكم وقلوبكم يقال تلقّى القول بمعنى قبله ، وقرئ : تتلقونه بالتّائين على الأصل وتلقونه بالتّخفيف من لقيه بمعنى تناوله وتلقونه بكسر حرف المضارعة من هذه المادّة وتلقونه من ألقاه ، وتلقونه من ولق بمعنى كذب ، وتألقونه من الق بمعنى كذب ، وتثقفونه من ثقف إذا طلب ووجد ، وتقفونه من وقف بمعنى تبع (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) من غير اطّلاع قلوبكم واعتقادها (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا لا اثم فيه ولا تبعة له (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ).