تَذَكَّرُونَ) حكمها ومصالحها فتعملون بها ، ثمّ شرع في بيان الآيات فقال (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) اى منهما حكمهما أو الزّانية مبتدء وقوله (فَاجْلِدُوا) خبره ، ودخول الفاء بتقدير امّا أو توهّمها لكون المقام للتّفصيل أو لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط لانّه بمعنى الّتى زنت ، وقرئ بنصبهما بتقدير فعل ناصب لهما من مادّة الفعل المتأخّر اى اجلدوا أو من مادّة اخرى اى اذكروا أو احضروا الزّانية ، وتقديم الزّانية مع انّ الرّجل اولى بالتّقديم لانّ الزّنا منها أقبح ولانّ شأنها بفطرتها ان تمنع الرّجال من نفسها فاذا مكّنت الرّجل منها كانت اولى بالعقاب ولذلك كان حدّها مساويا لحدّه وقال تعالى فاجلدوا (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) مع انّ شأنها في الحدود ان يخفّف عليها بالنّسبة الى الرّجال (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما) متعلّق بلا تأخذكم والباء للسّببيّة أو للآلة أو متعلّق بقوله (رَأْفَةٌ) وتقديمه على المصدر لكونه ظرفا (فِي دِينِ اللهِ) ظرف لغو متعلّق باجلدوا أو بلا تأخذكم أو برأفة شبّه دين الله بمكان مخصوص أو ظرف مستقرّ حال من فاعل اجلدوا أو من مفعوله وجعله حالا من مفعوله يفيد انّهما لا يجلد ان إذا لم يكونا في دين الله ، أو حال من مفعول لا تأخذكم أو صفة لرأفة وفائدة التّقييد به التّنبيه على الخلوص من شوب الهوى (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قيد للجلد أو لعدم أخذ الرّأفة والشّرط للتّهييج (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) اى جماعة اقلّها الثّلاثة وقيل : اقلّها الواحد ، وقيل : اقلّها هاهنا اربعة لانّ اقلّ ما يثبت به الزّنا شهادة الاربعة ، وقيل : منوط عددهم برأى الامام والمقصود من إحضار طائفة في عذابهما تنكيلهما بالتّفضيح علاوة على تنكيلهما بالعذاب ليكون تعذيبا شديدا لهما وعبرة لغيرهما ، وهذه الآية في بيان حدّ الزّانيين مجملة ، فانّ الزّانيين امّا يكون كلاهما أو أحدهما من أهل الذّمّة أو يكونان مسلمين محصنين أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، حرّين أو عبدين ، ولكلّ حكم وهذا حكم الحرّين المسلمين الغير المحصنين الغير البكرين ، روى انّ عمر أتي بخمسة نفر أخذوا في الزّنا فامر ان يقام على كلّ واحد منهم الحدّ ، وكان أمير المؤمنين (ع) حاضرا فقال : يا عمر ليس هذا حكمهم ، قال : فأقم أنت الحدّ عليهم فقدّم واحدا منهم فضرب عنقه ، وقدّم الآخر فرجمه ، وقدّم الثّالث فضربه الحدّ ، وقدّم الرّابع فضربه نصف الحدّ ، وقدّم الخامس فعزّره ، فتحيّر عمر وتعجّب النّاس من فعله ، فقال له عمر : يا أبا الحسن خمسة في قضيّة واحدة أقمت عليهم خمسة حدود وليس شيء منها يشبه الآخر؟! فقال أمير المؤمنين (ع) : امّا الاوّل فكان ذمّيّا فخرج عن ذمّته ولم يكن له حدّ الّا السّيف ، وامّا الثّانى فرجل محصن حدّه الرّجم ، وامّا الثّالث فغير محصن حدّه الجلد ، وامّا الرّابع فعبد ضربناه نصف الحدّ ، وامّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله ، ونقل ستّة نفر وقال : وأطلق السّادس ثمّ قال : وامّا الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشّبهة فعزّرناه وادّبناه ، وامّا السّادس فمجنون مغلوب على عقله سقط منه التّكليف ، وتفصيل الزّانيين وحكمهما يطلب من الكتب الفقهيّة (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) قدّم الزّانى هاهنا لانّ المقام لبيان حكمهما والرّجل مقدّم على المرأة واولى بالحكم منها ، قيل : هو ردّ على من يستحلّ التّمتّع بالزّوانى والتّزويج بهنّ وهنّ المشهورات المعروفات في الدّنيا لا يقدر الرّجل على تحصينهنّ ، وفي الخبر عن الصّادق (ع) : هنّ نساء مشهورات بالزّنا ورجال مشهورون بالزّنا شهروا به وعرفوا به والنّاس اليوم بتلك المنزلة فمن أقيم عليه حدّ الزّنا أو شهر بالزّنا لم ينبغ لأحد ان يناكحه حتّى يعرف منه التّوبة ، وفي خبر انّما ذلك في الجهر ولو انّ إنسانا زنى ثمّ تاب تزوّج حيث شاء ، وفي خبر : لم يسمّ الله الزّانى مؤمنا ولا الزّانية مؤمنة وذلك لانّه تعالى جعلهما في قبال المؤمنين وقرينين للمشرك والمشركة ، فعلى ما ذكر في الاخبار كانت الآية نهيا في صورة الاخبار وهو آكد من الإتيان بصورة النّهى وهو كناية عن نهى المؤمن