ويوم انتهاء البرزخ وانتقال أهل الجنّة الى الجنّة وأهل النّار الى النّار.
بيان لترقّى الأرواح في البرزخ
والبرزخ هو الحاجز بين الشّيئين ويسمّى ما بين عالم الطّبع وعالم المثال برزخا لكونه بين الدّنيا والآخرة فانّ الدّنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار راحة وقرار ، والبرزخ بينهما هو الّذى يدخله الإنسان بعد الموت ولا يستقرّ فيه بل يجوزه سريعا أو بطيئا بتعب أو براحة ، وهو الّذى يسمّى بهور قوليا وبعده جابلسا كما انّ قبله جابلقا وهو المدينة الّتى لها الف الف باب ويدخله كلّ يوم ما لا يحصى من خلق الله ويخرج منه كلّ يوم مثل ذلك وقد سبق الاشارة اليه في سورة البقرة عند قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) وفي غيرها ، وقد اختلف الأقوال في انّ للإنسان بعد الموت ترقّيا وتنزّلا فقيل : انّ التّرقّى والتّنزّل والخروج من القوّة الى الفعل لا يكون الّا في الدّنيا لانّ حامل القوّة وهو المادّة لا يكون الّا في الدّنيا وبعد الموت والانفصال من المادّة لا يكون قوّة حتّى يكون خروج من القوّة الى الفعليّة العلويّة أو السّفليّة فلا يكون التّرقّى والتّنزّل ، والمأثور من الأنبياء (ع) واتباعهم انّ عالم البرزخ عالم فيه يتخلّص النّفوس عن شوائبها الغريبة فان كانت النّفوس سجّينيّة تخلّصت من شوائب العلّيّين حتّى إذا بلغت الى الأعراف لم يكن عليها من العلّيّين شيء ، وإذا كانت علّيّينيّة تخلّصت من شوائب السّجّين ، فاذا بلغت النّفوس الى الأعراف خالصة من الشّوائب الغريبة دخلت كلّ منها مقرّها من الجحيم والجنان وهذا في الحقيقة طرح للغرائب وظهور لما هو ذاتىّ وليس خروجا من القوّة الى الفعليّة بل ظهور للفعليّة الحاصلة فلا منافاة بين ما ورد في الشّرائع الإلهيّة وبين ما قاله الحكماء من طريق الموازين العقليّة وليس الوقوف في البرازخ لكلّ أحد بل الخارج الى الفعليّات السّفليّة من غير بقاء اثر من الفعليّات العلويّة عليه ، والخارج الى الفعليّات العلويّة من غير بقاء شوب من الفعليّات السّفليّة عليه إذا ماتا دخلا مقرّهما من غير وقوف ، وما ورد انّ بعض النّاس يمرّ على الصّراط كالبرق الخاطف ، اشارة إليهما ، وغير هذين الصّنفين له وقوف في البرازخ قليلا أو كثيرا معذّبا أو غير معذّب حتّى يخلص من الشّوائب الغير الذّاتيّة ويدخل مقرّه ، ولا شكّ في انّ المسلم قد يكون له برزخ ، وامّا المؤمن الّذى بايع البيعة الخاصّة وقبل الولاية ودخل الايمان في قلبه ودخل هو في امر الائمّة فأكثر الاخبار تدلّ على ان ليس له برزخ ويكون برزخه وخلاصه من الشّوائب قبل الموت ، وعند الموت لا يكون عليه شوب حتّى يحتاج الى الوقوف في البرازخ ، وفي بعض الاخبار دلالة على انّ المؤمن أيضا قد يوقف في البرازخ وشهود أهل الشّهود يدلّ على ذلك لكن هذا الوقوف لقليل من المؤمنين الضّعيف الايمان ، وأكثرهم لا وقوف لهم في البرازخ ، والتّحقيق انّ المؤمن إذا خرج من حدود نفسه أو لم يخرج لكن كان في وجوده قوّة مهيّجة له على الخروج لا يوقف في البرازخ ، وإذا لم يخرج من حدود نفسه ولم يكن له قوّة مهيّجة على الخروج وكان راضيا ببيت نفسه مطمئنّا بأرض طبعه يوقف لا محالة في البرازخ بحسب تفاوت غرائبه وتفاوت تشبّثها وقد شوهد لبعض المؤمنين تكرار الموت ونزع الرّوح في البرزخ ، فاتّقوا إخواني وقوفات البرزخ وموتاتها ، ولتنظر نفس ما قدّمت لغد ، فما ورد من انّ المؤمن لا يخرج من الدّنيا الّا بعد طهارته من الذّنوب ، انّما هو لمن كان خارجا من حدود نفسه أو من كان فيه قوّة مهيّجة ، وما أشعر بوقوفه في البرزخ كان لمن لم يخرج ولم يكن فيه قوّة مهيّجة (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) الصّور بضمّ الصّاد وسكون الواو القرن الّذى ينفخ فيه.
شرح في نفخ الصّور
وورد في الاخبار انّه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل وله رأس وطرفان فينفخ فيه إسرافيل فيخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلي الأرض فيموت أهل الأرض ، ويخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلي السّماوات فيموت أهل السّماوات ثمّ يمكث الأرض والسّماوات خالية من أهلها وسكّانها ما شاء الله بعد ما أمات الله جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ثمّ ينفخ الله في الصّور أو يبعث الله إسرافيل فيأمره فينفخ في الصّور مرّة اخرى وله ثقب بعدد أرواح الخلائق فيخرج الصّوت من أحد طرفيه الّذى يلي السّماوات فلا يبقى في السّماوات