فلمّا آب من عنده توجّه نحو سدّة معاوية ليلا وكان غير محجوب عنه ولا محبوس دونه ، فعلم معاوية أنه ما جاء به إلا خبر أراد إعلامه به. فقال له معاوية : ما وراءك؟ وما جاء بك؟ فقال : أصلح الله أمير المؤمنين كنت عند يزيد ابنك فقال فيما استجرّ من الكلام كذا وكذا ، فوثب معاوية وقال :
ويحك ما أضعنا منه رحمة له ، وكراهية لما شجاه وخالف هواه؟ وكان معاوية لا يعدل بما يرضيه شيئا. فقال علىّ به ، وكان معاوية إذا أتت الأمور المشكلة المعضلة ، بعث إلى يزيد يستعين به على استيضاح شبهاتها واستسهال معضلاتها ، فلما جاءه الرّسول قال : أجب أمير المؤمنين ، فحسب يزيد أنّما دعاه إلى تلك الأمور الّتي يفزع إليه منها ، ويستعين برأيه عليها ، فأقبل حتّى دخل عليه ، فسلّم ثم جلس.
فقال معاوية يا يزيد ما الذي أضعنا من أمرك ، وتركنا من الحيطة عليك ، وحسن النظر لك ، حيث قلت ما قلت؟ وقد تعرف رحمتى بك ، ونظرى فى الأشياء التي تصلحك ، قبل أن تخطر على وهمك فكنت أظنك على تلك النعماء شاكرا ، فاصبحت بها كافرا ، إذ فرط من قولك ما ألزمتنى فيه إضاعتى إياك ، وأوجبت علىّ منه التقصير ، لم يزجرك عن ذلك تخوّف سخطى ، ولم يحجزك دون ذكره سالف نعمتى ، ولم يردعك عنه حق أبوّتى ، فأىّ ولد أعق منك وأكيد ، وقد علمت أنى تخطأت الناس كلهم فى تقديمك ، ونزلتهم لتوليتى إياك ، ونصبتك إماما على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وفيهم من عرفت ، وحاولت منهم ما علمت؟
قال : فتكلّم يزيد ، وقد خنقه من شدة الحياء الشرق ، وأخضله من أليم الوجد العرق ، قال : لا تلزمنى كفر نعمتك ، ولا تنزل بى عقابك ، وقد عرفت نعمة مواصلتك ببرّك ، وخطوى إلى كلّ ما يسرّك ، فى سرّى وجهرى ، فليسكن سخطك ، فإن الذي أرثى له من أعباء حمله وثقله ، أكثر مما أرثنى لنفسى ، من أليم ما بها وشدته ، وسوف أنبئك وأعلمك أمرى ، كنت قد عرفت من أمير المؤمنين