العوائق وكيفيّة (١) إزالتها ، فإذا تعيّنت هذه الأمور تزول (٢) هذه الحيرة.
ثم إنّ حال الإنسان ـ بعد أن يتعيّن له ما ذكرنا ويشرع في الطلب ويرجّح أمرا مّا يراه الغاية والصواب ـ على ضربين : إمّا أن يستحوشه ذلك الأمر بحيث أن لا يبقى فيه فضلة يطلب بها المزيد ـ كما هو حال أهل الاعتقادات والنحل غالبا ـ أو يبقى فيه فضلة من صحو ، فتراه ـ مع ركونه إلى حال معيّن وأمر مخصوص ـ كأكثر من يرى يفحص أحيانا ويتلمّح عساه يجد ما هو أتمّ ممّا أدرك وأكثر جدوى مما يتوخّى (٣) تحصيله ، أو حصّله ، فإن وجد ما أقلقه ونبّهه انتقل إلى دائرة المقام الثاني. وحاله في هذا المقام كالحال المذكور في المقام الأوّل من أنّه لا يخلو من أمرين : إمّا أن يكون في كلّ ما يحصل له ويركن إليه مطمئنّا ، مرتوبا (٤) ، فاترا عن طلب المزيد ، أو قد بقيت (٥) فيه أيضا فضلة تمنعه من الاستقرار ، وسيّما إذا رأى المتوسّطين من الناس أهل هذا المقام قد تفرّقوا شيعا ، وتحزّبوا أحزابا ، وكلّ منهم يرى أنّه المصيب ومن وافقه ، وأنّ الغير في ضلالة ، ويرى مأخذ كلّ طائفة ومتمسّكها فلا يجدها (٦) تقوم على ساق ، ويرى الاحتمال متطرّقا ، والنقوض واردة ، ويرى أنّ الحكم بالخطاء والإصابة ، والحقّ والباطل ، والضلال والهداية ، والحسن والقبح ، والضرر والنفع في هذه الأمور وغيرها من المتقابلات إنّما هو بالنسبة والإضافة ، فإنّه يحار ولا يدري أيّ المعتقدات أصوب في نفس الأمر؟ وأيّ النحل والأحوال والأعمال أوفق وأنفع؟ فلا يزال حائرا حتى يغلب عليه آخر الأمر حكم مقام مّا من المقامات ـ التي يستند إليها بعض أهل العقائد والمذاهب ـ فينجذب إليه ؛ لما (٧) فيه من سرّه ويطمئنّ ويسكن أو يفتق له بالعناية أو بها ويصدّقه في طلبه وجدّه في عزيمته وبذله المجهود حال طلبه الحجاب ، فيصير من أهل الكشف.
وحاله في أوّل هذا المقام كحاله فيما تقدم من أنّه إذا سمع المخاطبات العليّة ، وعاين المشاهدات السنيّة ، ورأى حسن معاملة الحقّ معه ، وما فاز (٨) به ممّا فات أكثر العالمين ، هل
__________________
(١) ه : كيفيته.
(٢) ق : حينئذ تزول ، ه : نزول.
(٣) ق : توخا.
(٤) أي ثابتا.
(٥) ق : وقد نفيت.
(٦) ق : نجد.
(٧) ق : بما.
(٨) ق : ما قاربه.