على الإرادة ، مع ثبوت تبعيّتها لهما وتأخّر مرتبتهما عن مرتبتهما ، ولا يصحّ ذلك ، فالإرادة ، في التحقيق تعلّق خاصّ للذات ، يتعيّن بالعلم وتظهر التخصيصات الثابتة في العلم ، لا أنّها تخصيص ما لم يثبت تخصيصه في العلم ، والعلم من كونه علما تعلق خاصّ من الذات ، يتعيّن حكمه في المعلوم والمراد بحسبهما ، فمعقوليّة القبول من الممكن لنسبة الترجيح الإيجادي ولوازمه تعيّن الحكم العلمي المعيّن لنسبة الإرادة والاختيار وأحكامهما (١) ، فافهم.
ولهذا المقام أسرار يحظى بها الأمناء ، الذين رقوا بقدمي الصدق والعناية إلى ذروته ، فإن كنت من أهل الهمم العالية والاستعدادات التامّة ، فتوجّه إلى الحقّ في أن يطلعك على مخزن هذه الأسرار ، وينبوع هذه الأنوار ، فإن منحت الإجابة فارق وانظر وتنزّه ولا تنطق (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (٢).
قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يتضمّن عدّة مسائل : إحداها سرّ الملك ، وسرّ (٣) اليوم (٤) ، وسرّ الدين ، من كونه يدلّ على العبادة (٥) ، وعلى الجزاء ، وعلى الانقياد وعلى غير ذلك ممّا ننبّه عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ فلنبدأ أوّلا ـ بعون الله ـ بالكلام على هذه الأمور من حيث الانفراد ، ثم من حيث الجمع كما فعلت ذلك فيما مرّ ، فنقول :
سرّ الملك
الملك : القوّة والشدّة ، ويطلق على القدرة أيضا ، والتصرّف. وملك الطريق في اللغة : وسطه ، وملك الدابّة ـ بضم الميم واللام ـ : قوائمها وهاديها أيضا. والملكوت مبالغة ؛ لكونه يشمل الظاهر والباطن.
وهذه المعاني التي تتضمّنها هذه الكلمة كلّها صادقة في حقّ الحقّ سبحانه وتعالى ؛ فإنّ الحقّ ذو القوّة المتين ، والهادي القيّوم ، والقادر على كلّ شيء ، والفاعل ما يشاء ، ومن بيده ملكوت كلّ شيء. وفي الملكوت سرّ لطيف ، وهو أنّه مبالغة في الملك ، والملك يتعلّق
__________________
(١) ق : أحكامها.
(٢) الشورى (٤٢) الآية ١٩.
(٣) لا توجد.
(٤) لا توجد.
(٥) ق : العادة.