وصل في قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ)
قد سبق في تفسير هذه الكلمة نكت نفيسة بلسان الظاهر والباطن وغيرهما ، تنبّه على جملة من الأسرار ، وسنذكر الآن تمامها (١) ـ إن شاء الله تعالى ـ ، فنقول :
أمّا بيان ما بقي من ظاهرها فهو أنّ هذه الكلمة معطوفة على قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، فهو استثناء تابع لاستثناء لا غير.
وأمّا الواجب بيانه هنا فتعيين مراتب الضلالة ، وأهلها وأحكامها. ولنقدّم مقدّمة كلّية نافعة قريبة من الأفهام ، ثم نشرع في التفصيل.
اعلم ، أنّ إضلال الحقّ عبده (٢) هو [عدم عصمته إيّاه عمّا نهاه عنه] ، (٣) وعدم معونته وإمداده بما يتمكّن به من الإتيان بما أمره به ، أو الانتهاء عمّا نهاه عنه.
وسرّ الإضلال والاستهزاء والمكر والخداع ونحو ذلك ـ ممّا أضافه الحقّ إلى نفسه ، وتحيّر أكثر العقول عن نسبته إلى الحقّ تنزيها له ـ هو من باب تسمية الفرع باسم الأصل ؛ إذ مكر العبد ـ مثلا ـ واستهزاؤه هو الأصل المتقدّم الجالب ما ذكر ، والمسمّى مكرا واستهزاء وغير ذلك من هذه الأوصاف التي لا يعرف الأكثرون كمالها إنّما يظهر ويتعيّن بهذا الحكم من سرّ (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) فافهم ، والله المرشد.
مراتب الضلال
ثم اعلم ، أنّه قد كنّا نبّهناك على أنّ الضلال الحيرة ، وأنّ (٤) لها ثلاث مراتب ،
__________________
(١) ق : بتمامها ، ه : تتّماتها.
(٢) ق : عنده.
(٣) ما بين المعقوفين غير موجود في ق.
(٤) ق : «ان» لا توجد.