الكلام على فاتحة الكتاب
والتعريف ببعض ما تحويه من لباب الحكم والأسرار الذي هو غذاء أرواح أولي الألباب ؛ لموجب سرّ خفيّ ، وحكم أمر جليّ ونسب عليّ.
قال العبد : وقد عزمت ـ بعون الله ـ أن أسلك في الكلام ـ بعد الإعراض عن البسط والإطالة ـ باب الإشارة والإيماء ، والجمع بين لساني الكتم والإفشاء ، مقتديا بربّي الحكيم العليم ، ومتّبعا ـ بمشيّته ـ صراطه المستقيم ، فإنّه سبحانه هكذا فعل في كلامه ولا سيّما في هذه السورة ، فأدرج فيها مع الإيجاز علم كلّ معنى وصورة.
وأرجو ـ إن شاء الله ـ أن لا أمزج الكلام بنقل أقاويل المفسّرين ، ولا الناقلين المتفكّرين وغير المتفكّرين ، غير ما يوجبه حكم اللسان ، ويستدعيه من حيث الارتباط الثابت بين الألفاظ والمعاني التي هي قوالب لها وظروف ومغان (١) بل أكتفي بالهبات الإلهيّة الذاتيّة عن آثار الصفات المكتسبة والعواريّ ؛ سائلا ربّي أن يجعل حلية دثاري ، وخلعة شعاري عساي أثبت في جريدة عبيد الاختصاص ، وأمنح في كلّ الأمور (٢) الخلاص من شرك الشرك ، والإخلاص ، والله سبحانه بكلّ خير مليّ ، وبالإجابة (٣) والإحسان أهل ووليّ.
وبعد ، فاعلموا ـ فهّمكم الله ـ أنّ كلّ ما له مبادئ وأسباب وعلل فإنّ تحقّق العلم به إنّما يحصل بمعرفة أسبابه ومبادئه والوقوف من أصوله وأسبابه عليه.
ولمّا كان القصد من إنشاء (٤) هذا المختصر بيان بعض أسرار الفاتحة المسمّاة بأمّ القرآن :
__________________
(١) جمع المغني بمعنى المنزل والمراد أنّ الألفاظ منازل للمعاني.
(٢) ق : واضح وفي كلّ الأحوال.
(٣) ق : للإجابة.
(٤) ق : إنشاد.