وترجيح أحدهما على الآخر إن كان ببرهان ثابت عند المرجّح ، فالحال فيه [كالحال فيه] والكلام كالكلام والحال فيها مرّ. وإن لم يكن ببرهان كان ترجيحا من غير مرجّح يعتبر ترجيحه. فتعذّر إذن وجدان اليقين ، وحصول الجزم التامّ بنتائج الأفكار والأدلّة النظريّة.
ومع أنّ الأمر كما بيّنّا ؛ فإنّ كثيرا من الناس الذين يزعمون أنّهم أهل نظر ودليل ـ بعد تسليمهم لما ذكرنا ـ يجدون في أنفسهم جزما بأمور كثيرة لا يستطيعون أن يشكّكوا أنفسهم فيها قد سكنوا إليها واطمأنّوا بها ، وحالهم فيها كحال أهل الأذواق [من وجه] ومن وجه كحال أهل الوهم مع العقل في تسليم المقدّمات والتوقّف في النتيجة ، ولهذا الأمر سرّ خفيّ ربّما ألوح به فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القانون الفكري عند أهل النظر
وأمّا القانون الفكري المرجوع إليه عند أهل الفكر فهم مختلفون فيه أيضا من وجوه :
أحدها : في بعض القرائن وكونها منتجة عند البعض ، وعقيمة عند غيرهم.
وثانيها : في حكمهم (١) على بعض ما لا يلزم عن القضايا بأنّه لازم.
وثالثها : اختلافهم في الحاجة إلى القانون والاستغناء عنه ، من حيث إنّ الجزء النظري منه ينتهي إلى البديهي ، ومن حيث إنّ الفطرة السليمة كافية في اكتساب العلوم ، ومغنية عن القانون ، ولهم فيما ذكرنا اختلاف كثير لسنا ممّن يشتغل بإيراده ؛ إذ غرضنا التنبيه والتلويح.
وآخر ما تمسّك به المثبتون منفعة الأولويّة والاحتمال فقالوا : إنّا نجد الغلط لكثير من الناس في كثير من الأمور وجدانا محقّقا ، مع احتمال وقوعه أيضا فيما بعد ، فاستغناء الأقلّ عنه لا ينافي احتياج الكثير إليه.
فأمّا الأولويّة : فاحتجّوا بها جوابا لمن قال لهم : قد اعترفتم بأنّ القانون ينقسم إلى ضروري ونظري ، وأنّ الجزء النظري مستفاد من الضّروري ، فالضروري إن كفى في اكتساب العلوم في هذا القانون كفى في سائر العلوم ، وإلّا افتقر (٢) الجزء الكسبي منه إلى قانون آخر ، فقالوا : الإحاطة بجميع الطرق أصون من الغلط ، فتقع الحاجة إليه من هذا الوجه عملا
__________________
(١) ب : ثانيها حكمهم.
(٢) ق : لافتقر.