ليتمّ التنبيه عليهما ، فلا يخفى حكمهما بعد ، فنقول : الكثرة على قسمين :
أحدهما : كثرة الأجزاء والمقوّمات التي تلتئم فيها (١) الذات كجزئي المادّة والصورة ، أو الجوهر والعرض بالنسبة إلى الجسم على اختلاف المذهبين ، وكالأجناس والفصول بالنسبة إلى الأنواع الحاصلة منهما ، وبالجملة ، كثرة يفتقر إليها أوّلا ؛ ليتصوّر حصول الشيء منها ثانيا.
والقسم الثاني : كثرة لوازم الشيء وهو أن يكون للشيء (٢) الواحد في نفسه الوحدة الحقيقيّة ، أو المركّب من أجزاء أو مقوّمات تلزمه بعد وجوده ـ كيف ما كان ـ معان وأوصاف في ذاته ، ولا تكون ذاته ملتئمة منها ، سواء كان في نفسه ملتئما من غيرها أو لم يكن بل تتبع ذاته ضرورة ووجودا بحيث لا يتصوّر وجود ذلك الشيء أو تعقّله إلّا وتلزمه تلك المعاني ، كالستّة ـ مثلا ـ التي لا يتصوّر وجودها إلّا أن تكون زوجا ، لا أنّ الزوجيّة جزء من أجزاء الستّة ، بل هي لازمة لها لزوم اضطرار وتأخّر في الرتبة تتضمّن (٣) أيضا معقوليّة النصف والثلث ، والفرديّة التي في الثلاثة والخمسة وغير ذلك.
ومن هنا يتنبّه الفطن الذي لم يبلغ درج التحقيق لمعرفة سرّ الإحاطة مع كون المحيط ليس ظرفا للمحاط به ولا المحاط به جزءا من أجزاء المحيط ، وكون الصفات اللازمة للواحد غير قادحة في أحديّته وغير ذلك.
سرّ الغيب والشهادة
وحيث وضّح ما رمت التنبيه عليه من سرّ الوحدة والكثرة ؛ ليكون معرفتهما عونا على فهم ما أذكره في سرّ بدء الأمر الذي هو مفتاح الكتاب الكبير المسمّى بالعالم ، ليتدرّج منه إلى معرفة نسخته ونسخة النسخة ، حتى يحصل الانتهاء إلى النسخة الأخيرة التي هي الفاتحة [التي يكون] المراد بيان بعض أسرارها كما سبق الوعد ، فنقول :
اعلم ، أنّ الحقّ سبحانه نظر بعلمه الذي هو نوره في حضرة غيب ذاته نظر تنزّه في الكمال
__________________
(١) ق : بها.
(٢) ق : الشيء.
(٣) ق : أيضا وتتضمّن.