وشائبة الضلال ومحنته ؛ فإنّ السلامة من قوارع الغضب لا تقنّعني (١) إذا لم تكن النعم المسداة إليّ مطرّزة بعلم الهداية المخلصة من محنة الحيرة وبيداء التيه ، وورطات الشبه والشكّ والتمويه ، وإلّا فأيّة فائدة في تنعّم ظاهري بأنواع النعم مع تألّم باطني بهواجم (٢) التلبّسات (٣) المانعة من السكون ، ورواجم الريب والظنون. هذا في الوقت الحاضر ، فدع ما يتوقّعه الحائر من اليوم الآخر ، فحينئذ يترتّب ما ذكره صلىاللهعليهوآله عن ربّه أنّه يقول : «هؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل» فاعرف كيف تسأل ، تنل من فضل الله ما (٤) تؤمّل.
صورة النعمة وروحها وسرّها
ثم اعلم ، أنّ لأصل النعمة المشار إليه صورة وروحا وسرّا ، فصورتها : الإسلام والإذعان ، وروحها : الإيمان والإحسان ، وسرّها : التوحيد والإيقان ، فحكم الإسلام متعلّقه ظاهر الدنيا. والإيمان لباطن الدنيا وباطن النشأة الظاهرة. والإحسان للحكم البرزخي ونشأته ، وإليه الإشارة في جواب [سؤال] جبرئيل [عن] النبيّ صلىاللهعليهوآله ما الإحسان؟ قال : «أن تعبد الله كأنّك تراه» ، (٥) وهذا هو الشهود والاستحضار البرزخي ، فافهم.
وسرّ التوحيد (٦) واليقين يختصّ بالآخرة ، فالمح ما أدرجت لك من أسرار الشريعة ، في هذه الكلمات الوجيزة الشريفة ، تعلم أنّ كلّ شيء فيه كلّ شيء ، والله المرشد.
ثم إنّ الحقّ سبحانه قد نبّه على الذين أنعم عليهم النعمة المطلوبة منه في هذه الآية بقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) ثم قال : (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧) فهذه المراتب الأربع كالأجناس والأنواع لما تحتها من مراتب السعداء ، والصلاح هو النوع الأخير.
ثم فصّل ما أجمله هنا في موضع آخر ، فقال محرّضا نبيّه صلىاللهعليهوآله على موافقة الكمّل من هؤلاء الطوائف لمّا عدّدهم مبتدئا بخليله ـ على نبيّنا وعليهالسلام ـ فقال بعد ذكره :
__________________
(١) ق : لا تقنعي.
(٢) ه : بهواجهم.
(٣) ق : التلبيسات.
(٤) كذا في الأصل. والأنسب : تأمّل.
(٥) جامع المسانيد ، ج ٢٨ ، ص ٤٢٨.
(٦) ه : التوحيد.
(٧) النساء (٤) الآية ٦٩ ـ ٧٠.