خاتمة وهداية جامعة
اعلم ، أنّ الاستقامة والاعوجاج في الطرق هما بحسب الغايات المقصودة ، والغايات أعلام المبالغ والكمالات النسبيّة المسمّاة مقامات أو منازل ودرجات. وهي ـ أعني الغايات ـ تتعيّن بالبدايات ، وبين البدايات والغايات تتعيّن الطرق التي هي في التحقيق أحكام مرتبة البداية التي منها يقع الشروع في السير الذي هو عبارة عن تلبّس السائر بتلك الأحكام والأحوال المختصّة بالبداية والغاية ، جذبا ودفعا ، وأخذا وتركا ، فانصباغه بحكم بعد حكم ، وانتقاله من حالة إلى حالة ـ مع توحّد عزيمته وجمع همّه على مطلوبه الذي هو قبلة توجّهه وغاية مبتغاه ، واتّصال حكم قصده وطلبه بوجهته دون فترة ولا انقطاع ـ هو سلوكه ومشيّة هكذا ، حتى يتلبس بكلّ ما يناسبه من الأحوال والأحكام ، ويستوفيها ، فإذا انتهى إلى الغاية هي وجهة مقصده ، فقد استوفى تلك الأحوال والأحكام من حيث تلبّسه بها وتكيّفه بحسبها ، ثم يستأنف أمرا آخر هكذا ، حتى ينتهي إلى الكمال الحقيقي الذي أهلّ له ذلك السائر كائنا من كان.
ثم نقول : البدايات (١) تتعيّن بأوّليّات التوجّهات ، والتوجّهات تعيّنها البواعث المحرّكة للطلب والسلوك في الطرق ، والطرق إلى معرفة كلّ شيء بحسب وجوه التعرّف المثيرة للبواعث ، والبواعث تتعيّن بحسب حكم إرادة المنبعث ؛ فإنّ بواعث كلّ أحد أحكام إرادته ، وشأن الإرادة إظهار التخصيص السابق تعيّن صورته ومرتبته في العلم ، والعلم في نفس الأمر هو نور الحقّ الذاتي. وعلم الكمّل بالنسبة إلى الكمّل ومن شاء الله من الأفراد حصّة
__________________
(١) ه : والبدايات.