يستعبده بعض ذلك أو كلّه ، أو يبقى فيه بقيّة من غلّة الطالب (١) والصحو فيثبّت وينظر في قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢) وفي أمثاله من الإشارات الربانيّة والتنبيهات النبويّة والكماليّة ، فيتنبّه إلى أنّ كلّ ما اتّصل بالحجاب ، أو تعيّن بالواسطة ، فللحجاب والواسطة فيه حكم لا محالة ، فلم يبق على طهارته الأصليّة ولا صرافته العليّة ، فيتطرّق إليه الاحتمال ، وسيّما إذا عرف سرّ الوقت والموطن والمقام الذي هو فيه ، والحال والوصف الغالب عليه ، أنّ لكلّ ممّا ذكر أثرا فيما يبدو (٣) له ويصل إليه ، فلا يطمئنّ ، وخصوصا إن تذكّر قوله صلىاللهعليهوآله حال رؤية الريح كلّ وقت ، وتغيّر لونه ، ودخوله وخروجه وقلقه ، وقوله لمن سأله عن ذلك : «ولعلّه كما قال قوم عاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) (٤) (عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) (٥)» وفي قوله صلىاللهعليهوآله في غزاته ليلة بدر : «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض» (٦) وكقوله لمّا جاءه جبريل في المنام بصورة عائشة رضي الله عنها في سرقة حرير ، وقال له : هذه زوجتك ـ ثلاث مرّات ـ بعد الثالثة : «إن يكن من عند الله يمضه» (٧) ولم يجزم ونحو ذلك مما يطول ذكره ، مع قوله عليهالسلام : «زويت لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها» (٨). وقوله عن العشر الفوارس من طلائع المهدي عليهالسلام الآتي في آخر الزمان ، ويمينه صلىاللهعليهوآله : «والله إنّي لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم وألوان خيولهم» ، فيطّلع على لون فرس وصورة شخص واسمه ونسبه قبل أن يخلق بستّمائة سنة وكسر ، ولا يجزم ، بل يخاف أن يقطع بأمنه (٩) دون ذلك ، لعلمه بأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وأنّ حكم حضرة الذات ـ التي لا يعلم (١٠) ما تقتضيه ولا ما الذي يتعيّن من كنه غيبها فتبديه ، ويقتضي على إخباراته تعالى ، وسيّما الواصلة بواسطة مظاهر رسالاته ، والحاملة أصباغ أحكام حضرات أسمائه وصفاته
__________________
(١) ق : الطلب.
(٢) الشورى (٤٢) الآية ٥١.
(٣) ق : يبدوا.
(٤) ه : راه.
(٥) ق : به ريح.
(٦) جامع المسانيد ، ج ٩ ، ص ٤٩٤.
(٧) ه : يمضيه.
(٨) جامع المسانيد ، ج ٦ ، ص ٢٠٧.
(٩) ق : بأسه ، ه : بأمته.
(١٠) ه : لا تعلم.