فانقسم الحكم إلى أمر مؤدّ ومفض بالممتثل (١) له والعامل به إلى الانتظام في سلك السعداء أهل النعيم الدائم والراحة الخالصة في ذلك المقام بعينه ، فإنّه مقام أهل اليمين ومظهر الاسم «الرّحيم». وإلى نهي وتحذير عن الوقوع فيما يؤدّي إلى الانخراط في سلك الأشقياء أهل المكروه ، الذي لا يظهر للاسم «الرّحيم» فيه أثر غير نفس التخصيص في الحال ؛ لغلبة حكم القبضة الأخرى ، وتمّت مراتب التثليث في المراتب التابعة للفرديّة الأولى.
فالاسم «الله» من حيث أوّليّته لمرتبة الألوهيّة (٢) ، التي يستند إليها المألوه ، ويختصّ بها القسم الأوّل من الفاتحة. وللرحمن الوجود العام المشترك ووسط الفاتحة ، وللرحيم التخصيص المذكور وآخر الفاتحة للإجابة الإلهيّة ، والتخصيص المتضمّن (٣) فيه بقوله : «هو (٤) لعبدي ، ولعبدي ما سأل». (٥)
فالرّحيم ـ كما بيّنّا ـ لأهل اليمين والجمال. والرّحمن ـ الجامع بين اللطف والقهر ـ لأهل القبضة الأخرى والجلال. وأهل الاسم «الله» من حيث الجمعيّة لهم البرزخ الجامع بين القبضتين ومقام القربة والسبق والوجه والكمال ، فتدبّر ما يقرع سمعك ويستجليه فهمك.
فهذه تنبيهات إلهيّة يستفاد منها أسرار جليلة من جملتها معرفة سريان أحكام المراتب الكلّيّة فيما تحت حيطتها من المراتب والمظاهر ، فيتحقّق الارتباط بين جميعها ، فيصير ذلك سلّما لرقي الألبّاء ـ ذوي الهمم العالية والمدارك النوريّة الخارقة ـ إلى ما فوق ذلك بتوفيق الله وعنايته ، والله وليّ الإرشاد والهداية. ولنختم الآن الكلام على البسملة بالإشارة النبويّة المستندة إلى الحضرة الإلهيّة وهي قول الحقّ عند افتتاح عبده المناجاة ببسم الله الرّحمن الرّحيم في الجواب : «ذكرني عبدي»
كيف يذكر العبد ربّه؟
فنقول : الذكر إمّا أن يقترن معه علم به وبالمذكور ، أو بأحدهما ، أو لا يقترن ، فإن اقترن فهو مظهر للحضور وسبب له ، والحضور حقيقة متعلّقها استجلاء المعلوم ،
__________________
(١) ب : بالمتمثّل.
(٢) ق : الألوهة.
(٣) ق : المضمّن.
(٤) ق : هؤلاء.
(٥) روح الأرواح ، ص ٦٩٠.