أحدهما : عزّة المقام في نفسه ؛ لأنّه من النادر وجدان من يناسب الحقّ في شؤونه ، بحيث يسرّه كلّ ما يفعله الحقّ وكأنّه هو فاعله والمختار له بقصد معيّن. وغير ذلك ممّا لا يمكن التصريح به.
والأمر الآخر : كون (١) الطريق إلى تحصيل هذا المقام مجهولا (٢) ، ولمّا كان الإنسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر مّا ، والطلب وصف لازم لحقيقته لا ينفكّ عنه ، فليجعل متعلّق طلبه مجهولا غير معيّن إلّا من جهة واحدة ، وهو أن يكون متعلّق طلبه ما شاء الحقّ إحداثه في العالم وفي نفسه أو (٣) غيره ، فما رآه أو سمعه أو وجده في نفسه أو عامله به أحد ، فليكن ذلك عين مطلوبه المجهول قد عيّنه له الوقوع ، فيكون قد وفى حقيقة كونه طالبا ، ويحصل له اللذّة بكلّ واقع منه أو فيه أو في غيره أو من غيره.
فإن اقتضى ذلك الواقع التغيّر تغيّر ؛ لطلب الحقّ منه التغيّر ، فهو طالب الواقع ، والتغيّر (٤) هو الواقع ، ليس (٥) بمقهور فيه ولا مغضوب عليه ، بل ملتذّ في تغيّره ، كما هو ملتذّ في الموجد (٦) للتغيير ، وما ثمّ طريق إلى تحصيل هذا المقام إلّا ما ذكر ، فافهم.
وما رأيت بعد الشيخ رضي الله عنه من قارب هذا إلّا شيخا (٧) واحدا اجتمعت به في المسجد الأقصى ، ثم في موضع آخر ، هو من أكبر من لقيت ، أعرف له من العجائب ما لا يقبله أكثر العقول. صحبته وشاهدت من بركاته في نفسي وفي ذوقي غرائب رضي الله عنه.
__________________
(١) ق : يكون.
(٢) ق ، ه : مجهول.
(٣) ق : أو في.
(٤) ه : التغيره.
(٥) ه : وليس.
(٦) ه : الموجب.
(٧) ق : شخصا.