وحكم النبوّة من حيث روحها تنبيه للاستعدادات بالإخبار عن الله وعن أسمائه وصفاته ، والتشويق إليه وإلى ما عنده ، والتعريف بأحوال النفوس والسعادات الروحانيّة واللذّات المعنويّة ، وإمداد الهمم للترقّي إلى ما لم تستقلّ عقول الأمّة بإدراكه دون التعريف الإلهي من طريق الكشف المحقّق والوحي ، لتسمو همم النفوس إلى طلبه ، وتهتمّ في تحصيله من مظنّته ، وتحصيل معرفة كيفيّة التوجّه إلى الحقّ بالقلوب والقوالب أيضا من حيث تبعيّتها لأحكام القلوب حين انصباغها بوصفها ، ومعرفة عبادة الحقّ الذاتيّة والحكميّة الوقتيّة والموطنيّة الحالية (١) ، والتوجّه الجمعي بالسلوك نحوه على الصراط الأسدّ الأقوم الأقرب ، والوجه الأحسن وفهم ما أخبرت عنه سفراؤه والكمّل من صفوته من العلوم والحقائق والأسرار والحكم التي لا تستقلّ عقول الخلق بإدراكها ، والاستشراف عليها ، ومعرفة إرشاد الخلق ، للتوجّه إلى الحقّ التوجّه المستلزم لتحصيل الكمال على الوجه الأسدّ والطريق الأقصد الأصوب ، وهو الطريق الجامع بين معرفة القواطع المجهولة الخفيّة الضرر ، والأسباب المعيّنة الخفيّة المنفعة أيضا ، ليتأتّى طلب كلّ معيّن محمود يحتاج إليه ويستعان به على تحصيل السعادات ، والتحقق بالكمال على الوجه الأحسن الأيسر ، ويتمكّن من الأعراض عن العوائق ، وإزالة ضرر ما اتّصل من أحكامها بالإنسان ، ومعرفة النتائج ـ التابعة للمضارّ والمنافع ـ المنبّه عليها ، وما هو منها مؤجّل ومتناه ، وما لا يتقيّد بأجل ، ولا يحكم عليه بالتناهي ، وإصلاح الأخلاق بتحسين السيرة والزهد فيما سوى المطلوب الحقّ.
وغاية كلّ ذلك ، الفوز بكمال معرفة الحق ، وشهوده الذاتي ، والأخذ عنه ، والتهيّؤ على الدوام لقبول ما يلقيه ويأمر به ويريه ، دون اعتراض ، ولا تثبّط ، ولا إهمال ، ولا تفقّه ولا تأويل يقضي بالتقاعد.
وليراع الأولى فالأولى ، والأجدر فالأجدر من كلّ أمر ، بالقصد أوّلا ، و (٢) بأن تصفو مرآة قلبه وحقيقته ثانيا صفاء يستلزم ظهور هذه الأمور كلّها ـ بل ظهور كلّ شيء ـ فيها ، وبروزها به ـ أي بالإنسان ـ في الوجود على ما كانت عليه في علم الحقّ من الحسن التام
__________________
(١) ق : الحاكية.
(٢) في بعض النسخ : لم يرد.