التعمّل والتكلّف.
والوجه الثالث يقابل به صاحبه العالم العلويّ ، وقبوله لما يريد الحقّ إلقاءه إليه من حيث هو يكون بحسب صور هذا الإنسان التي له في كلّ سماء ، كما نبّه على ذلك السيّد الحبر (١) ابن عباس رضي الله عنه ووافقه عليه المحقّقون من أهل الله وخاصّته قاطبة.
وزكاة هذا الوجه وإحياء رقيقته هو بما مرّ ذكره في وجه الأرواح ، وبحفظ الاستقامة في الأوصاف الظاهرة الحفظ المتوسّط المانع من التفريط والإفراط. ولن يتحقّق أحد بذلك ما لم يعرف نسبته من كلّ عالم ، ويراعي (٢) حكم الموازنة والمناسبة في ذلك ، ويتفصّل (٣) له ـ ذوقا ـ ما أجملت الشريعة الإلهيّة الحقّة (٤) ذكره ، وتكفّلت السيرة النبويّة المحمديّة الكماليّة ببيانه (٥) بالفعل والحال بعد الإفصاح عنه مجملا ، فحينئذ متى (٦) حكم ، أصاب ، وعرف كيف يتحرّى طريق الجزم والصواب ، والله المرشد.
والوجه الآخر يقابل به عالم العناصر ، وتزكيته وإحياء رقيقته (٧) أيضا معلوم بالموازين الربانيّة المشروعة والمعقولة ، وعمدته أمران :
أحدهما : استعمال الحواسّ والقوى فيما تتعيّن المصلحة فيه حسب الاستطاعة والإمكان وتقديم الأهمّ فالأهمّ والمبادرة إلى ذلك.
والآخر : كفّها عن كلّ ما ليس بمهمّ ، فضلا عن استعمالها في الفضول وما لا ينبغي استعمالها فيه ، أو يجب الاحتراز عنه.
والوجه الآخر يقابل عالم المثال ، وله نسبتان :
نسبة مقيّدة ، وتختصّ بعالم الخيال (٨) الإنساني ، (٩) وطهارته تابعة لطهارة الوجه المتقدّم ، المختصّ بعالم الحسّ والشهادة ، فينضمّ (١٠) إلى ذلك تحسين المقاصد حال تصوّرها وامتشائها في الحسّ المشترك ، والحضور مع الخواطر ، ومحو ما لا يستحسن منها ؛ فإنّ هذه
__________________
(١) ه : الخبر.
(٢) كذا في الأصل. والصحيح : لم يراع (أو) يراع.
(٣) ق : ينفصل.
(٤) ه : الحققة.
(٥) ه ، ق : بيانه.
(٦) ق : هي.
(٧) ه : رقيقة.
(٨) ق : ه ، خيال.
(٩) ق : الإنسان.
(١٠) ق : فمنضمّ.