صاحب هذا المقام الصادرة على هذا الوجه قد ارتفعت ـ كما ذكرنا من قبل ـ عن مراتب الجزاء. وقد أشير إلى ذلك بقوله تعالى : (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١) وبقوله (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٢) وبالتنبيه المضمّن في قصّة كتب الفجّار والأبرار ـ التي هي جرائد أعمالهم ـ وكون الواحد في سجّين ، والآخر في علّيّين ، ولم يذكر للمقرّبين كتابا ، ولم ينسب إليهم غير الشهود واختصاصهم بالعين التي يطيب ويشرف بها مشرب الأبرار ، فافهم.
ومن هذا المقام قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) (٣) الآية. وهذه الحالة المذكورة لصاحب هذا المقام إحدى علامات من كان الحقّ سمعه وبصره ، وإحدى علامات صاحب قرب الفرائض أيضا باعتبار آخر يعسر شهوده وتصوّره إلّا للندّر.
والوجه الثاني من وجوه القلب يحاذي عالم الأرواح ، ويأخذ به صاحبه عنها ، وتنتقش فيه منها بحسب المناسبة الثابتة بينه وبينها ، وبحسب طهارة الوجه وصقاله ، الذي (٤) بهما تظهر صحة النسبة وتحيا رقيقة الارتباط ، التي هي كالأنبوب والمرزاب الذي يمرّ عليه الفيض ، ويسري فيه ، ويصل به إلى مستقرّه من القابل. وزكاته وصقاله (٥) بالتحلّي بالأخلاق المحمودة واجتناب المذمومة وعدم تمكين القوى الطبيعيّة من الاستيلاء على القوى الروحانيّة وإطفائها بظلمتها وتكديرها أشعّة أنوارها ، حتى تضمحلّ أحكامها وآثارها بقهر الأحكام الطبيعيّة المضادّة لها.
وهذا الشرط ـ أعني حفظ صحّة أحكام كلّ وجه وحالة (٦) والصفات المختصّة به من الغلبة المحذورة من الضدّ ومن الانحراف عن اعتداله الوسطي إلى طرف الإفراط و (٧) التفريط ـ معتبر في كلّ وجه من هذه الوجوه ، فزكاة الوجه الأوّل المقابل لغيب الحقّ بصحّة المسامتة وخلوّه عن كلّ قيد وحكم كوني ورقيقة إطلاقه عن القيود وطلسته ، (٨) وعروه عن النقوش ، وحياة تلك الرقيقة بدوام الافتقار المحقّق والتوجّه الذاتي العاري عن
__________________
(١) الصافّات (٣٧) الآية ٣٩ ، ٤٠.
(٢) سبأ (٣٤) الآية ١٧.
(٣) الفتح (٤٨) الآية ٢.
(٤) كذا في الأصل. والصحيح بقرينة «بهما» : اللذين.
(٥) ق : صقالته.
(٦) ه : حاله.
(٧) ق : أو.
(٨) الطلسة : غبرة في سواد ، السحابة الرقيقة.