وهذا المقام ـ المترجم عن بعض أحكامه وخصائصه ـ يحتوي على نحو ثلاثة آلاف مقام أو أكثر ، وله أسرار شريفة نزيهة تعزّ معرفتها ، ويقلّ وجدان الواقف عليها ، ولو لا أنّ الخوض في تفصيل أمّهاتها يحتاج إلى فضل بسط ، (١) ويفضي (٢) إلى إيضاح ما يحرم كشفه من أسرار الربوبيّة ، لظهر ما يدهش العقول والبصائر ، ويشرح الصدور والسرائر ، ولكن لا مظهر لما شاء الحقّ إخفاءه (٣) من أسراره المستورة ولا كاتم لما أحبّ بروزه وظهوره.
ثم نعود إلى إتمام ما وقع الشروع في إيضاحه أوّلا ، فنقول : وأمّا وجوه القلب ، المشار إليها آنفا فخمسة على عدد الحضرات الأصليّة المذكورة ، ولا يمكن أن يصدر من أحد فعل مّا من الأفعال إلّا ولا بدّ أن يكون ذلك الفعل منصبغا بحكم أحد هذه الوجوه أو كلّها.
فالوجه الواحد منها يقابل غيب الحقّ وهويّته وهو المسمّى بالوجه الخاصّ عند المحقّقين الذين ليس للوسائط ـ من الصفات والأسماء وغيرهما ممّا نزل عنهما ـ فيه حكم ولا مدخل ، ولا يعرفه و [لا] يتحقّق به إلّا الكمّل والأفراد وبعض المحقّقين ، ولهذا الأمر ـ من حيث الوجه الذي يقابله من قلب الإنسان وغيره ـ في الوجود الظاهر مراتب ومظاهر وآيات من جملتها الأوّليّات : كالحركة الأولى ، والنظرة ، والخاطر ، والسماع ، وكلّ ظاهر أوّل ممّا لا يخفى على أهل الحضور. ولا يترتّب شرعا ولا تحقيقا في جميع العالم (٤) على هذا الوجه وما يخصّه حكم ، ولا يدخل تحت قيد ؛ فإنّه إلهي باق على حكم التقديس الأصلي ، ولا يتطرّق إليه شكّ ولا غلط ولا كذب أصلا.
والمتحقّق بهذا الوجه متى راقب قلبه مراقبة لا تتخلّلها فترة بعد معرفته سرّ التجدّد والخلق الجديد في كلّ نفس ، حكم بكلّ ما يخطر له ، وأصاب ولا بدّ ؛ فإنّه لا تكرّر عنده ، كما لا تكرار في حضرة الحقّ. وصاحب هذا ، المشهد والمقام كلّ خواطره وإدراكاته واقعة بالحقّ في مرتبته (٥) الأوّليّة ، فالأفعال الصادرة منه من حيث جميع مشاعره وحواسّه تترتّب وتبتني على هذا الأساس الإلهي ، فلا يصدر منه إلّا جميل حسن وما يوجب رفع الدرجة ومزيد القرب في عين القرب ، لكن من باب المنّة والإحسان لا المجازاة ؛ فإنّ أعمال
__________________
(١) ق : بسيط.
(٢) ه : يقضي.
(٣) ه : أخفاه.
(٤) ق : العوالم.
(٥) ه : مرتبة.