بعض الأعمال لبعض العاملين في الدنيا والآخرة ، وفي الآخرة دون الدنيا ، وبالعكس ، والمجعول هباء منثورا ، حتى لا يبقى لعين العمل صورة تترتّب (١) عليها مكافأة بالخير.
ويعلم أيضا من كمل له التحقّق (٢) بهذا المقام المشار إليه سرّ (٣) المرتفع عن مراتب المجازات والموازنات المتعيّنة ، المنبّه عليها وتبيانه (٤) (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٥) ومثله ممّا ورد وثبت ، فإنّ هذا الصنف من الأعمال لا يتعيّن له جزاء معلوم لغير من ظهر به ، فإنّه إلهي باق على أصله لا تعلّق له بسوى الحقّ ، ولسان حكمه من باب الإشارة لا التفسير (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) (٦).
وقد لوّحت بطرف من هذا فيما مرّ في باب الحمد وتنزّل الجزاء على الحامدين بحسب علومهم ومعتقداتهم في المحمود ومراتبهم وحظوظهم عنده ؛ فإنّها متعلّقات هممهم وقبلة مقاصدهم منه ، وبيّنت (٧) أنّ ثمّة من ليس لقصده وهمّته والأفعال المنسوبة إليه والظاهرة به من حمد وغيره غاية ولا مستهدف سوى الحقّ المطلق ، فجزاء مثل هذا خارج عن المراتب والأقسام المعروفة ، فليلمح من هناك على أنّه سنزيد لذلك (٨) بيانا عن قريب ، ـ إن شاء الله تعالى ـ
ويعلم أيضا من هذا المقام سبب اختلاف الأعمال ـ من حيث هي أعمال للمسمّين عاملين ـ والمقامات التي يستقر فيها الأعمال في آخر مدى ارتفاعها ورفعها ، وما أوّل تلك المقامات منها ، وأيّها (٩) أغلب حكما بالنسبة إلى الأعمال الظاهرة وبالنسبة إلى الأعمال الباطنة أيضا ، وما أعلاها وآخرها ، وما المقام الذي ينزل منه الجزاء الكلّي الأحدي المتنوّع والمنقسم بحسب مراتب الأعمال المختلفة الظاهرة في الأوقات المختلفة بالعاملين المختلفى المقاصد والعلوم والعقائد والتوجهات والأحوال والمواطن والمقامات والأزمان والنشآت.
__________________
(١) ه : يترتّب.
(٢) في بعض النسخ : التحقيق.
(٣) ق : سرّ العمل.
(٤) ق : لسانه.
(٥) الأنفال (٨) الآية ١٧.
(٦) يوسف (١٢) الآية ٧٥.
(٧) ق : يثبت.
(٨) ق : ذلك.
(٩) ق : إنّها.