وعرفت سرّ النعيم والعذاب المعجّل والمتطاول المدّة وسريع الزوال ، وسرّ تبديل السيّئات الحسنات ، وسرّ «إنّما هي أعمالكم ترد عليكم» وسرّ قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (١) وسرّ (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). (٢)
ورأيت الأفعال ـ إذا تعيّنت صورها في باطن الإنسان أو ظاهره ـ صارت مرآة لغضب الحقّ أو رحمته كما قلنا ، لكن من غير تغيّر وتجدّد حال في الجناب الأقدس ، مع حدوث ظهور التعيّن والأثر بما يلائم وما لا يلائم.
ورأيت أيضا سرّ الحلّ والحرمة في كلّ عصر وأمّة وبالنسبة إلى كلّ شخص أيضا في وقت واحد ، وحال مخصوص ، أو في حالين ووقتين مختلفين.
ورأيت صورة (٣) انبعاث الشرائع وتعيّن أحكامها بحسب أحوال الأمم والأعصار.
ورأيت الأوامر والنواهي المقصورة الحكم على هذه الدار وهذه النشأة ، والمختصّة بمصالحهما الكلّيّة والجزئيّة ولوازمهما.
ورأيت المتعدّية الحكم إلى الآخرة تنقسم إلى اربعة أقسام : قسم ينتهي حكمه في أثناء زمان المكث البرزخي ، أو ينتهي بانتهاء البرزخ ؛ وقسم ينتهي حكمه في أثناء زمان الحشر ، (٤) أو ينتهي بانتهاء يومه ؛ وقسم ينتهي في أثناء زمان سلطنة جهنّم على من دخلها ، أو ينتهي بانتهاء حكمها في غير المخلّدين ؛ وقسم يختصّ بأهل الجنّة وبمن قيل فيهم : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٥).
وهنا بحار زاخرة ، وأسرار باهرة ، لو خلّي كشفها ، لظهر ما يحيّر الألباب ، ويبدي العجب (٦) العجاب.
ويعلم من هذا المقام أيضا الجزاء الأبدي المستمرّ الحكم في الشرّ والخير ، والثابت إلى أجل متناه ، وسرّ المجازاة على الخير والشرّ والموازنة بالمثل في الشرّ والتضعيف في الخير إلى عشرة أمثاله وإلى سبعمائة ضعف وما شاء الله من الزيادة بحساب ، (٧) وسرّ المجازاة على
__________________
(١) الأنعام (٦) الآية ١٤٩.
(٢) الإسراء (١٧) الآية ١٥.
(٣) لم ترد في بعض النسخ.
(٤) ه : الخسر.
(٥) الحجر (١٥) الآية ٤٨.
(٦) ه : عجب.
(٧) ق : بغير حساب.