الأجسام ، وفي جميع صفاتها ، لا جرم كان الاعتراف (١) بأنها بأسرها لله تعالى ، وملك له ، ومحلّ تصرّفه وقدرته ، لا جرم أمره بالسّؤال أوّلا ، ثم بالجواب ثانيا ليدلّ ذلك على أنّ الإقرار بهذا المعنى ممّا لا سبيل إلى دفعه ألبتّة ، كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] وقوله : «الله» خبر مبتدأ محذوف أي : هو الله.
فصل في المراد بالآية
والمقصود من هذه الآية الكريمة تقرير إثبات الصّانع ، وتقرير المعاد ، وتقرير النّبوّة ، أما تقدير إثبات الصّانع ، فلأن أحوال العالم العلويّ والسّفلي تدلّ على أنّ جميع هذه الأجسام موصوفة بصفات كان يجوز عليها اتّصافها بأضدادها ، وإذا كان كذلك كان اختصاص كلّ جزء منها بصفة معيّنة لا بدّ وأن يكون لأجل أنّ الصانع الحكيم القادر المختار خصّه بتلك الصّفة المعينة ، وهذا يدلّ على أن العالم مع كل ما فيه مملوك لله تعالى ، وإذا ثبت هذا ثبت كونه قادرا على الإعادة والحشر والنّشر ؛ لأن التركيب الأوّل إنما حصل لكونه ـ تبارك وتعالى ـ قادرا على كل الممكنات ، عالما بكل المعلومات ، وهذه القدرة والعلم ممتنع زوالهما ، فوجب صحّة الإعادة ثانيا.
وإذا ثبت أنه ـ تعالى ـ ملك مطاع ، والملك المطاع من له الأمر والنهي على عبيده ، لا بدّ من مبلّغ ، وذلك يدلّ على أن بعثة الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام من الله إلى الخلق غير ممتنع ، فدلّت هذه الآية الكريمة على هذه المطالب الثلاثة ، ولما سبق ذكر هذه المسائل الثلاثة ذكر الله ـ تبارك وتعالى ـ بعدها هذه الآية لتكون مقرونة (٢) بمجموع تلك المطالب.
قوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ) أي قضى وأوجب إيجاب تفضّل (٣) ، لا أنّه مستحقّ عليه تعالى.
وقيل : معناه القسم ، وعلى هذا فقوله : «ليجمعنّكم» جوابه ؛ لما تضمّن من معنى القسم ، وعلى هذا فلا توقّف على قوله : «الرّحمة».
وقال الزجاج (٤) : إن الجملة في قوله : «ليجمعنّكم» في محل نصب على أنها بدل من الرحمة ؛ لأنه فسّر قوله تعالى : «ليجمعنّكم» بأنه أمهلكم وأمدّ لكم في العمر والرّزق مع كفركم ، فهو تفسير للرحمة.
وقد ذكر الفرّاء (٥) هذين الوجهين : أعني أن الجملة تمّت عند قوله تعالى : «الرّحمة» ، أو أنّ «ليجمعنّكم» بدل منها ، فقال : إن شئت جعلت الرّحمة غاية الكلام ، ثمّ
__________________
(١) في ب : الأعراف.
(٢) في الرازي مقررة ١٢ / ١٣٦.
(٣) في ب : تفضيل.
(٤) ينظر : معاني القرآن له ٢ / ٢٥٥.
(٥) ينظر : معاني القرآن له ١ / ٣٢٨.