همّام» ، ولذلك عدّاه ب «على» ، ولو كان مكانا ، لما عدّاه ؛ فثبت أنّه اسم مصدر لا مكان ، فهو كقولك : «آتيك خفوق النّجم ومقدم الحاجّ» ، ثم قال «وإنّما حسن ذلك في المصادر لمطابقتها الزّمان ، ألا ترى أنّه منقض غير باق كما أنّ الزّمان كذلك».
والثاني : أن العامل فيها فعل محذوف ، أي : يثوون فيها خالدين ، ويدلّ على هذا الفعل المقدّر «مثواكم» ويراد ب «مثواكم» مكان الثّواء ، وهذا جواب عن قول الفارسيّ المعترض به على الزّجّاج.
الثالث : قاله أبو البقاء (١) : أنّ العامل معنى الإضافة ، ومعنى الإضافة لا يصلح أن يكون عاملا ألبتّة ، فليس بشيء.
قوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) اختلفوا في المستثنى منه : فقال الجمهور : هو الجملة التي تليها ، وهي قوله : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) وسيأتي بيانه عن قرب.
وقال أبو مسلم : «هو مستثنى من قوله : «وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا» أي : إلا من أهلكته واخترمته قبل الأجل الذي سمّيته لكفره وضلاله». وقد ردّ النّاس عليه هذا المذهب من حيث الصّناعة ، ومن حيث المعنى. أمّا الصّناعة فمن وجهين :
أحدهما : أنّه لو كان الأمر كذلك ، لكان التّركي ب «إلّا ما شئت» ليطابق قوله : «أجّلت».
والثاني : أنه قد فصل بين المستثنى والمستثنى منه بقوله : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) ومثل ذلك لا يجوز.
وأما المعنى : فلأن القول بالأجلين : أجل الاخترام ، والأجل المسمّى باطل ؛ لدلائل مقرّرة في غير هذا الموضع.
ثم اختلفوا في هذا الاستثناء : هل هو متّصل أو منقطع؟ على قولين :
فذهب مكّي بن (٢) أبي طالب ، وأبو البقاء (٣) في أحد قوليهما : إلى أنّه منقطع ، والمعنى : «قال النّار مثواكم إلّا من آمن منكم في الدّنيا» كقوله : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦] أي : لكن الموتة الأولى ، فإنهم قد ذاقوها في الدنيا كذلك هذا ؛ لكن الّذين شاءهم الله أن يؤمنوا منكم في الدّنيا ، وفيه بعد ، وذهب آخرون إلى أنّه متّصل ، ثم اختلفوا في المستثنى منه ما هو؟
فقال قوم : هو ضمير المخاطبين في قوله : «مثواكم» أي : إلا من آمن في الدّنيا بعد
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦١.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٠.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦١.