«أعلم» هذه ؛ لما تقدّم من أنّ أفعل لا تنصب المفعول به.
قال أبو عليّ : «لا يجوز أن يكون العامل في «حيث» : «أعلم» هذه الظاهرة ، ولا يجوز أن تكون «حيث» ظرفا ؛ لأنه يصير التقدير : «الله أعلم في هذا الموضع» ولا يوصف الله تعالى بأنه أعلم في مواضع ، وأوقات ؛ لأن علمه لا يختلف باختلاف الأمكنة ، والأزمنة ، وإذا كان كذلك ، كان العامل في «حيث» فعلا يدلّ عليه «أعلم» و «حيث» لا يكون ظرفا ، بل يكون اسما ، وانتصابه على المفعول به على الاتّساع ، ومثل ذلك في انتصاب «حيث» على المفعول به اتساعا قول الشّمّاخ : [الطويل]
٢٣٠٤ ـ وحلّأها عن ذي الأراكة عامر |
|
أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواجز (١) |
ف «حيث» مفعولة ؛ لأنه ليس يريد أنه يرمي شيئا حيث تكون النواجز ، إنما يريد أنه يرمي ذلك الموضع». وتبع الناس الفارسيّ على هذا القول.
فقال الحوفيّ : «ليست ظرفا ؛ لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان آخر ، وإذا لم تكن ظرفا ، كانت مفعولا بها ؛ على السّعة ، وإذا كانت مفعولا ، لم يعمل فيها «أعلم» ؛ لأن «أعلم» لا يعمل في المفعول به فيقدّر لها فعل» وعبارة ابن عطيّة ، وأبي البقاء (٢) نحو من هذا.
وأخذ التبريزيّ كلام الفارسي [فنقله](٣) ، وأنشد البيت المتقدّم.
والثاني : أنّها باقية على ظرفيّتها بطريق المجاز ، وهذا القول ليس بشيء ، ولكن أجازه أبو حيّان مختارا له على ما تقدم.
فقال : «وما أجازوه من أنّه مفعول به على السعة أو مفعول به على غير السعة ـ تأباه قواعد النّحو ؛ لأن النحويّين نصّوا على أنّ «حيث» من الظروف التي لا تتصرف ، وشذّ إضافة «لدى» إليها ، وجرّها «بالياء» ، وب «في» ، ونصّوا على أن الظرف المتوسّع فيه لا يكون إلّا متصرّفا ، وإذا كان كذلك ، امتنع نصب «حيث» على المفعول به ، لا على السّعة ، ولا على غيرها.
والذي يظهر لي إقرار «حيث» على الظّرفية المجازيّة ، على أن يضمّن «أعلم» معنى ما يتعدّى إلى الظرف ، فيكون التقدير : «الله أنفذ علما حيث يجعل رسالاته» أي : «هو نافذ العلم في الموضع الذي يجعل فيه رسالاته ، والظرف هنا مجاز كما قلنا».
قال شهاب الدّين (٤) : قد ترك ما قاله الجمهور ، وتتابعوا عليه ، وتأوّل شيئا هو
__________________
(١) ينظر : ديوانه ص (١٨٢) ، المعاني الكبير ٢ / ٧٨٣ ، الأزمنة والأمكنة ٦ / ١٠٦ ، الاقتضاب (٤٥١) جمهرة أشعار العرب (١٥٤) ، الدر المصون ٣ / ١٧٢.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٠.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٣.