فلا تأكلونه ، وعن ابن عباس : إنّهم قالوا : تأكلون ما تقتلونه ، ولا تأكلون ما يقتله الله ـ تعالى ـ (١) ، وهذه المناظرات مخصوصة بأكل الميتة ، وقال ـ تبارك وتعالى ـ : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النّصب ، يعني : لو رضيتم بهذه الذّبيحة الّتي ذبحت على اسم الهديّة للأوثان ، فقد رضيتم بإلهيّتها فذلك يوجب الشّرك.
قال الشّافعي : فأوّل الآية الكريمة ، وإن كان عامّا بحسب الصّيغة ، إلّا أن آخرها لمّا حصلت فيه هذه القيود الثلاثة ، علمنا أن المراد من العموم : الخصوص ، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالوا : يا رسول الله إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتوننا باللّحم ، لا يدرى يذكرون اسم الله عليها أم لا ، قال : «اذكروا أنتم اسم الله ، وكلوا» ولو كانت التّسمية شرطا للإباحة ، كان الشكّ في وجودها مانعا كالشكّ في أصل الذّبح.
قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) هذه الجملة فيها أربعة أوجه :
أحدها : أنّها مستأنفة ، قالوا : ولا يجوز أن تكون منسوقة على ما قبلها ؛ لأن الأولى طلبيّة ، وهي خبريّة ، وتسمّى هذه الواو ، واو الاستئناف.
والثاني : أنّها منسوقة على ما قبلها ، ولا يبالى بتخالفهما ، وهو مذهب سيبويه ، وقد تقدّم تحقيق ذلك ، [وقد أوردت من ذلك شواهد صالحة من شعر وغيره](٢).
الثالث : أنّها حاليّة ، أي : «لا تأكلوه ، والحال : أنّه فسق». وقد تبجّح الإمام (٣) الرّازي بهذا الوجه على الحنفيّة ، حيث قلب دليلهم عليهم بهذا الوجه ، وذلك أنّهم يمنعون من أكل متروك التّسمية ، والشّافعيّة لا يمنعون منه استدل عليهم الحنفيّة بظاهر هذه الآية.
فقال الرّازي : هذه الجملة حاليّة ، ولا يجوز أن تكون معطوفة لتخالفهما طلبا وخبرا ، فتعيّن أن تكون حاليّة ، وإذا كانت حاليّة ، كان المعنى : «لا تكلوه حال كونه مفسّقا» ، ثم هذا الفسق مجمل قد فسّره الله تعالى في موضع آخر ، فقال : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) يعني : أنه إذا ذكر على الذّبيحة غير اسم الله ، فإنّه لا يجوز أكلها ؛ لأنّه فسق.
ونحن نقول به ، ولا يلزم من ذلك أنّه إذا لم يذكر اسم الله ، ولا اسم غيره ، أن تكون حراما ؛ لأنه ليس بالتّفسير الذي ذكرناه ، والنّزاع فيه محال من وجوه :
منها : أنّنا لا نسلّم امتناع عطف الخبر على الطّلب ، والعكس ، كما قدّمته عن سيبويه ، وإن سلّم ، فالواو للاستئناف ، كما تقدم ، وما بعدها مستأنف ، وإن سلّم أيضا ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ١١١) كتاب الصيد : باب في أكل ذبائح أهل الكتاب حديث (٢٨١٩) عن ابن عباس.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٣٩.