فإن قلت : أيّ فرق بين اللّامين في «ليقولوا» و «لنبيّنه»؟
قال شهاب الدين (١) : الفرق بينهما أن الأولى مجاز ، والثانية حقيقة ، وذلك أن الآيات صرفت للتبيين ، ولم تصرف ليقولوا : دارست ، ولكن لأنه لمّا حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل للتّبيين شبّه به فسيق مساقه.
وقيل : ليقولوا كما قيل لنبيه.
قال شهاب الدين (٢) : فقد نصّ هنا على أنّ لام «ليقولوا» علّة مجازيّة.
وجوّز بعضهم أن تكون هذه اللام نسقا على علّة محذوفة.
قال ابن الأنباري : «دخلت الواو في «وليقولوا» عطفا على مضمر ، التقدير : وكذلك نصرف الآيات لنلزمهم الحجة وليقولوا». قال شهاب الدين (٣) وعلى هذا فاللام متعلّقة بفعل التّصريف ، من حيث المعنى ، ولذلك قدّره من قدّره متأخّرا ب «نصرّف».
وقال أبو حيّان (٤) : «ولا يتعيّن ما ذكره المعربون والمفسّرون من أن اللام لام كي ، أو لام الصّيرورة ، بل الظاهر أنها لام الأمر والفعل مجزوم بها ، ويؤيّده قراءة من سكّن اللام ، والمعنى عليه يتمكّن ، كأنه قيل : وكذلك نصرّف الآيات ، وليقولوا هم ما يقولون من كونها درستها وتعلّمتها أو درست هي ، أي : بليت وقدمت ، فإنه لا يحتفل بهم ولا يلتفت إلى قولهم وهو أمر معناه الوعيد والتهديد ، وعدم الاكتراث بقولهم ، أي : نصرّفها وليدّعوا فيها ما شاءوا ، فإنه لا اكتراث بدعواهم».
وفيه نظر من حيث إنّ المعنى على ما قاله النّاس وفهموه ، وأيضا فإن بعده «ولنبيّنه» وهو نصّ في لام كي ، وأمّا تسكين اللام في القراءة الشّاذّة ، فلا يدلّ لاحتمال أن تكون لام كي سكّنت إجراء للكلمة مجرى : كتف وكبد.
وقد ردّ أبو حيان على الزمخشري ؛ حيث قال (٥) : «وليقولوا جوابه محذوف» فقال : وتسميته ما يتعلّق به قوله : «وليقولوا» جوابا اصطلاح غريب لا يقال في «جئت» من قولك : «جئت لتقوم» إنه جواب.
قال شهاب الدين : هذه العبارة قد تكرّرت للزمخشري ، وسيأتي ذلك في قوله : (وَلِتَصْغى) [الأنعام : ١١٣] أيضا.
وقال الشيخ هناك : «وهذا اصطلاح غريب».
والذي يظهر أنه إنما يسمّى هذا النحو جوابا ، لأنه يقع جوابا لسائل ؛ تقول : أين الذي يتعلّق به هذا الجار؟ فيجاب به ، فسمّي جوابا بهذا الاعتبار ، وأضيف إلى الجارّ في
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٠.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٠١.
(٥) البحر المحيط ٤ / ٢٠٠.