فقد كان على سبيل الإبداع ، فحصل الإبداع بذكر السماوات والأرض لا بذكر ما فيهما ، وإن أرادوا من الولادة الأمر المعهود في الحيوانات ، فهذا أيضا باطل من وجوه :
أولها : أن الولادة لا تصحّ إلا ممن له زوجة وشهوة ينفصل عنه بجزء في باطن تلك الصّاحبة ، وهذه الأحوال إنما تثبت في حقّ الجسم الذي يصح عليه الاجتماع والافتراق ، والحركة والسكون والشّهوة واللّذّة ، وكل ذلك على خالق العالم محال ، وهذا هو المراد من قوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ).
ثانيها : أن تحصيل الولد بهذا الطريق المعتاد إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق ، وأمّا الخالق لكل الممكنات ، القادر على كل المحدثات ، فإذا أراد إحداث شيء قال له : «كن فيكون» ومن كان هذا صفته يمتنع إحداث شخص بطريق الولادة ، وهذا هو المراد من قوله : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
وثالثها : أن هذا الولد إمّا أن يكون قديما أو محدثا ، لا جائز أن يكون قديما ؛ لأن القديم يجب كونه واجب الوجود لذاته وما كان واجبا لذاته غني عن غيره ، فيمتنع كونه ولدا لغيره ، فبقي أن يكون الولد محدثا ، وإذا كان والدا كان محدثا فنقول : إنه تبارك وتعالى عالم بجميع المعلومات ، فإما أن يعلم أن له في تحصيل الولد كمالا ونفعا أو يعلم أنه ليس الأمر كذلك ، فإن كان الأول فلا وقت يفرض أن الله ـ تعالى ـ خلق هذا الولد فيه إلّا والدّاعي إلى إيجاد هذا الولد كان حاصلا قبله ، فيلزم حصول الولد قبل ذلك ، وهذا يوجب كون ذلك الولد أزليّا وهو محال.
وإن علم أنه ليس في تحصيل الولد كمال ونفع ، فيجب ألّا يحدثه ألبتة ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وأما الاحتمال الثالث فذلك باطل غير متصوّر ، ولا مفهوم للعقل ، فالقول بإثبات الولادة بناء على ذلك محض الجهل ، وهو باطل.
قوله : «ذلكم» أي : ذلكم الموصوف بتلك الصّفات المتقدمة الله تعالى فاسم الإشارة مبتدأ ، و «الله» تعالى خبره ، وكذا «ربكم» ، وكذا الجملة من قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وكذا «خالق».
قال الزمخشري (١) : «وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة».
قال شهاب الدين (٢) : وهذا عند من يجيز تعدّد الخبر مطلقا ، ويجوز أن يكون «الله» وحده هو الخبر ، وما بعده أبدال ، كذا قال أبو البقاء (٣) ، وفيه نظر من حيث إنّ بعضها مشتقّ ، والبدل يقلّ بالمشتقّات ، وقد يقال : إنّ هذه وإن كانت مشتقّة ولكنها بالنّسبة إلى
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٨.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٦.