قوله : «فمستقرّ» قرأ ابن كثير وأبو عمرو (١) بكسر القاف ، والباقون (٢) بفتحها ، وأما «مستودع» فالكل قرأه مفتوح (٣) الدال ، وقد روى الأعور عن أبي عمرو بن (٤) العلاء كسرها فمن كسر القاف جعل «مستقرّا» اسم فاعل ، والمراد به الأشخاص ، وهو مبتدأ محذوف الخبر ؛ أي : فمنكم مستقرّ ؛ إما في الأصلاب ، أو البطون ، أو القبور ، وعلى هذه القراءة تتناسق «ومستودع» بفتح الدال.
وجوز أبو البقاء (٥) في «مستقرّ» بكسر القاف أن يكون مكانا وبه بدأ.
قال : «فيكون مكانا يستقر لكم» انتهى.
يعني : والتقدير : ولكم مكان يستقر ، وهذا ليس بظاهر ألبتّة ؛ إذ المكان لا يوصف بكونه مستقرّا بكسر القاف ، بل بكونه مستقرا فيه.
وأما «مستودع» بفتحها ، فيجوز أن يكون اسم مفعول ، وأن يكون مكانا ، وأن يكون مصدرا ، فيقدر الأوّل : فمنكم مستقر في الأصلاب ، ومستودع في الأرحام ، أو مستقر في الأرض ظاهرا ، ومستودع فيها باطنا ، ويقدر للثاني : فمنكم مستقر ، ولكم مكان تستودعون فيه ، ويقدر للثالث : فمنكم مستقر ولكم استيداع.
وأما من فتح القاف فيجوز فيه وجهان فقط : أن يكون مكانا ، وأن يكون مصدرا ، أي : فلكم مكان تستقرّون فيه ، وهو الصّلب ، أو الرحم ، أو الأرض ، أو لكم استقرار فيما تقدّم ، وينقض أن يكون اسم مفعول ؛ لأن فعله قاصر لا يبنى منه اسم مفعول به [فيكون اسم مكان والمستقر بمنزلة المقر ؛ وإن كان كذلك لم يجز أن يكون خبر المضمر «منكم» بل يكون خبره «لكم» فلتقدير لكم مقر بخلاف](٦) مستودع حيث جاز فيه الأوجه الثلاثة.
وتوجيه قراءة (٧) أبي عمرو في رواية الأعور عنه في «مستودع» بالكسر على أن يجعل الإنسان كأنه مستودع رزقه وأجله حتى إذا نفدا كأنه ردّهما وهو مجاز حسن ، ويقوي ما قلته قول الشاعر : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٣٠٤ ، حجة أبي زرعة ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، الزجاج ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الفراء ١ / ٣٤٧ ، المشكل ١ / ٢٦٣ ، الحجة لابن خالويه ١٤٦.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٣٠٤ ، حجة أبي زرعة ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، الزجاج ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الفراء ١ / ٣٤٧.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٧ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٢.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦.