وعلى هذا فهل
العموم باق؟ منهم من قال : نعم وإن جميع الأشياء مثبتة في القرآن إمّا بالصريح ،
وإمّا بالإيماء .
فإن قيل : كيف قال
الله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) مع أنه ليس فيه تفاصيل علم الطب وعلم الحساب ، ولا تفاصيل
كثير من المباحث والعلوم ، ولا تفاصيل مذاهب النّاس ، ودلائلهم في علم الأصول
والفروع؟
والجواب أن قوله (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) يجب أن يكون مخصوصا ببيان الأشياء التي يجب معرفتها
والإحاطة بها ، واعلم أن علم الأصول موجود بتمامه في القرآن على أبلغ الوجوه ،
وأما تفاصيل الأقاويل والمذاهب ، فلا حاجة إليها.
وأمّا تفاصيل
الفروع فالعلماء قالوا : إن القرآن دلّ على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجّة
في الشريعة ، وإذا كان كذلك فكلّ ما دلّ عليه أحد هذه الأصول الثلاثة كان ذلك في
الحقيقة موجودا في القرآن قال تعالى : (وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧].
وقال عليه الصلاة
والسلام : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» .
وروي أن ابن مسعود
كان يقول : «ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه» يعني : الواشمة والمستوشمة ، والواصلة والمستوصلة ، وروي
أنّ امرأة قرأت جميع القرآن ثم أتته فقالت : يا ابن أمّ عبد ، تلوت البارحة ما بين
الدّفّتين ، فلم أجد فيه لعن الواشمة ، والمستوشمة ، فقال : لو تلوتيه لوجدتيه ،
قال تعالى : (وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧] ، وإن
مما أتانا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن قال : «لعن الله الواشمة والمستوشمة» .
وقال ابن الخطيب : يمكن وجدان هذا المعنى في كتاب الله في قوله تعالى في
سورة «النساء» حين عدّد قبائح الشيطان قال : (وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) [النساء : ١١٩]
فظاهر هذه الآية يقتضي أن تغيير الخلق يوجب اللّعن.
__________________