[المائدة : ٩٥] ووصف العمدية ليس بشرط لوجوب الجزاء ، فإنه لو قتله ناسيا أو مخطئا وجب الجزاء أيضا؟
قلنا : عند ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وصف العمدية شرط لوجوب الجزاء ، فلا يرد عليهم السؤال ، وأما على قول الجمهور فإنما قيده بوصف العمدية ؛ لأن الواقعة التي كانت سبب نزول الآية كانت عمدا على ما يروى عن الصحابة أنه اعترض حمار وحش بالحديبية وهم محرمون ، فطعنه أبو اليسر برمحه فقطعه فنزلت الآية ، فخرج وصف العمدية مخرج الواقع لا مخرج الشرط.
وقال الزهري : نزل الكتاب بالعمد ، ووردت السنة بالوجوب في الخطأ.
[٢٥٥] فإن قيل : كيف قال : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ؛ مع أن الشرط بلوغه إلى الحرم لا غير؟
قلنا : لما كان المقصود من بلوغ الهدي إلى الحرم تعظيم الكعبة ذكر الكعبة تنبيها على ذلك. وقيل : معناه بالغ حرم الكعبة.
[٢٥٦] فإن قيل : قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المائدة : ٩٧] أي دلالة لهذه الأمور المذكورة على علم الله تعالى بما في السموات وما في الأرض وأنه بكل شيء عليم؟
قلنا : ذلك إشارة إلى كل ما سبق ذكره من الغيوب في هذه السورة من أحوال الأنبياء والمنافقين واليهود لا إلى المذكور في هذه الآية :
الثاني : أن العرب كانت تسفك الدماء وتنهب الأموال ، فإذا دخل الشهر الحرام أو دخلوا إلى البلد الحرام كفوا عن ذلك ، فعلم الله تعالى أنه لو لم يجعل لهم زمانا أو مكانا يقتضي كفهم عن القتل ونهب الأموال لهلكوا ، فظهرت المناسبة.
[٢٥٧] فإن قيل : كيف قال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) [المائدة : ١٠٣] والجعل هو الخلق بدليل قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف :
__________________
[٢٥٧] بحيرة : من قولهم بحرت البعير ، أي شققت أذنه شقا واسعا. وكان أهل الجاهلية إذا ولدت الناقة عشرة أبطن شقوا أذنها وسيبوها فلا تركب ، ولا يحمل عليها.
ـ سائبة : يقال للناقة إذا ولدت خمسة أبطن ؛ فتسيّب في المرعى ، فلا تردّ عن حوض ولا علف.
ـ وصيلة : من قول الجاهليين ، حين تلد الشاة ذكرا وأنثى ، وصلت أخاها ، يريدون حمته عن الذبح ، فلا يذبحون الذكر من أجلها.
ـ حام : يقوله عرب الجاهلية للفحل إذا ضرب عشرة أبطن. يريدون : حمى ظهره ، فلا يركب.