قلنا : قد جاء في تفسير المكلّب أيضا أنه المضري للجارح والمغري له فعلى هذا لا يكون تكرارا ، وعلى القول الأول يكون إنما عمم ثم خصص فقال مكلبين بعد قوله : (وَما عَلَّمْتُمْ) [المائدة : ٤] ؛ لأن غالب صيدهم كان بالكلاب ، فأخرجه مخرج الغالب الواقع منهم.
[٢١٣] فإن قيل : ظاهر قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) [المائدة : ٥] يقتضي إباحة الجوارح المعلمة وهي حرام.
قلنا : فيه إضمار وتقديره : مصيد ما علمت من الجوارح ، يؤيده ما في تمام الكلام من قوله : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) [المائدة : ٤].
[٢١٤] فإن قيل : المؤمن به هو الله لقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ١٣٦] فالمكفور به يكون هو الله أيضا ، ويؤيده قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨] وإذا ثبت هذا فكيف قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) [المائدة : ٥] مع أنه لا يصح أن يقال آمن بالإيمان فكذلك ضده؟
قلنا : المراد به : ومن يرتد عن الإيمان يقال كفر فلان بالإسلام إذا ارتد عنه ، فكفر بمعنى ارتد ؛ لأن الردة نوع من الكفر ، والباء بمعنى عن ، كما في قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] وقوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩].
وقيل : المراد هنا بالإيمان المؤمن به تسمية للمفعول بالمصدر ، كما في قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) [المائدة : ٩٦] ، أي مصيده ، وقولهم : ضرب الأمير ، ونسج اليمن.
[٢١٥] فإن قيل : كيف قال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [المائدة : ٩] ولم يقل : وعملوا السيئات ؛ مع أن الغفران يكون لفاعل السيئات لا لفاعل الحسنات؟
قلنا : كل أحد لا يخلو من سيئة صغيرة أو كبيرة ، وإن كان ممن يعمل الصالحات وهي الطاعات ، والمعنى : أن من آمن وعمل الحسنات غفرت له سيئاته.
قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤].
[٢١٦] فإن قيل : كيف قال في آخر قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ١٢] الآية ، (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [المائدة : ١٢] مع أن الذي كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل؟
قلنا : نعم ولكن الضلال بعد ما ذكر من النعم أقبح ؛ لأن قبح الكفر بقدر عظم النعم المكفورة ، فلذلك خصه بالذكر.