تعالى ، كما تقول : زيد أشدّ خوفا في الدار من عمرو ، وذلك محال ، وإن كان من الله متعلقا بالخوف فأين الذي فضل عليه المخاطبون ، وأيضا فإن الآية تقتضي إثبات زيادة الخوف للمؤمنين ؛ وليس المراد ذلك باتفاق المفسرين؟
قلنا : رهبة مصدر رهب مبنيا لما لم يسم فاعله ، فكأنه قيل أشد مرهوبية ، يعني أنكم في صدورهم أهيب من الله فيها ، كذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما ، ونظيره قولك : زيد أشد ضربا في الدار من عمرو ، يعني مضروبية.
[١٠٨٣] فإن قيل : كيف يستقيم التفضيل بأشدية الرّهبة ، مع أنّهم كانوا لا يرهبون الله ، لأنهم لو رهبوه لتركوا النفاق والكفر؟
قلنا : معناه أن رهبتهم في السر منكم أشدّ من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم ، وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى.
[١٠٨٤] فإن قيل : كيف قال إبليس : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) [الحشر : ١٦] وهو لا يخاف الله تعالى ؛ لأنه لو خافه لما خالفه ثم أضل عبيده؟
قلنا : قد سبق هذا السؤال وجوابه في سورة الأنفال.
[١٠٨٥] فإن قيل : ما فائدة تنكير النفس والغد في قوله تعالى : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر : ١٨]؟
قلنا : أما تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمت للآخرة كأنه قال : ولتنظر نفس واحدة في ذلك ، وأين تلك النفس. وأما تنكير الغد فلعظمته وإبهام أمره كأنه قال لغد لا يعرف كنهه لعظمه.
[١٠٨٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (لِغَدٍ) [الحشر : ١٨] وأراد به يوم القيامة ، والغد عبارة عن يوم بينه وبيننا ليلة واحدة؟
قلنا : الغد له مفهومان : أحدهما ما ذكرتم. والثاني مطلق الزمان المستقبل ، ومنه قول الشاعر :
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله |
|
ولكنّني عن علم ما في غد عمي |
وأراد به مطلق الزّمان المستقبل ، كما أراد بالأمس مطلق الزمان الماضي ؛ فصار لكل واحد منهما مفهومان. ويؤيده أيضا قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤] وقيل إنما أطلق على يوم القيامة اسم الغد تقريبا له كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] وهو قوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل :
__________________
[١٠٨٦] البيت لزهير بن أبي سلمى ، وهو في ديوانه : ٣٥.