[٨٠٧] فإن قيل : قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [النمل : ٦٦] أو
أدرك على اختلاف القراءتين ، هل مرجع الضمير فيه وفيما قبله واحد أم لا؟ وكيف
مطابقة الإضراب لما قبله ، ومطابقته لما بعده من الإضرابين؟ وكيف وصفهم بنفي
الشعور ثم بكمال العلم ثم بالشك ثم بالعمى؟
قلنا
: مرجع الضمير في
قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ) هو الكفار فقط ، وفيما قبله جميع من في السموات والأرض ،
وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ) معناه بل تتابع وتلاحق واجتمع كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها
جَمِيعاً) [الأعراف : ٣٨]
وأصله تدارك ، فأدغم التاء في الدال ، وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ) معناه بل كمل وانتهى. قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد
ما جهلوه في الدنيا علموه في الآخرة. وقال السدّي : يريد اجتمع علمهم يوم القيامة
فلم يشكوا ولم يختلفوا. وقال مقاتل : يريد علموا في الآخرة ما شكوا فيه وعموا عنه
في الدنيا ، وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ
مِنْها) [النمل : ٦٦]
معناه : بل هم اليوم في شك من الساعة (بَلْ هُمْ مِنْها
عَمُونَ) [النمل : ٦٦] جمع
عم وهو أعمى القلب. ومطابقة الإضراب الأول لما قبله أن الذين لا يشعرون وقت البعث
لما كانوا فريقين : فريق منهم لا يعلمون وقت البعث مع علمهم أنه يوجد لا محالة وهم
المؤمنون ، وفريق منهم لا يعلمون وقته لإنكارهم أصل وجوده أفرد الفريق الثاني
بالذكر بقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) تأكيدا لنفي علمهم في الدنيا ، كأنه تعالى قال : بل فريق
منهم لا يعلمون شيئا من أمر البعث في الدنيا أصلا ، ثم أضرب عن الإخبار بتتابع
علمهم وتلاحقه بحقيقة البعث في الآخرة إلى الإخبار عن شكهم في الدنيا في أمر البعث
والساعة ؛ مع قيام الأدلة الشرعية على وجودها لا محالة ، وأما وصفهم بنفي الشعور
ثمّ بكمال العلم ثم بالشك ثم بالعمى فلا تناقض فيه ، لاختلاف الأزمنة ، أو لاختلاف
متعلقات تلك الأمور الأربعة ، وهي الشعور والعلم والشك والعمى.
[٨٠٨] فإن قيل : قضاء الله تعالى وحكمه واحد فما معنى قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
بِحُكْمِهِ) [النمل : ٧٨] وهو
بمنزلة قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ
يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بقضائه أو يحكم بينهم بحكمه.
قلنا
: معناه بما يحكم
به وهو عدله المعروف المألوف ؛ لأنه لا يقضي إلا بالحق وبالعدل ، فسمى المحكوم به
حكما. وقيل : معناه بحكمته ؛ ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة.
__________________