قلنا
: لأنه عرف أنها لا
تعرف الله تعالى وتعرف سليمان ، فخاف أن تستخف باسم الله تعالى إذا كان أول ما يقع
نظرها عليه ، فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى. وقيل
: إن اسم سليمان
كان على عنوانه ، واسم الله تعالى كان في أول طيه.
[٨٠٣] فإن قيل : كيف يجوز أن يكون آصف وهو كاتب سليمان عليهالسلام ووزيره وليس بنبي يقدر على ما لا يقدر عليه النبي ، وهو
إحضار عرش بلقيس في طرفة عين؟
قلنا
: يجوز أن يخص غير
الرسول بكرامة لا يشاركه فيها الرسول ، كما خصت مريم بأنها كانت ترزق من فاكهة
الجنة وزكريا لم يرزق منها ، وكما أن سليمان صلوات الله عليه خرج مع قومه يستسقون
فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تستسقي ، فقال لقومه :
ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ، ولم يلزم من ذلك فضلها على سليمان. وقد نقل أن
النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا أراد الخروج إلى الغزوات قال لفقراء المهاجرين والأنصار
: ادعوا لنا بالنصرة ، فإن الله تعالى ينصرنا بدعائكم ، ولم يكونوا أفضل منه صلىاللهعليهوسلم ، مع أن كرامة التابع من جملة كرامات المتبوع. قالوا :
والعلم الذي كان عنده هو اسم الله الأعظم ، فدعا به فأجيب في الحال ، وهو عند أكثر
العلماء كما قال البندنيجي اسم الله. ثم ، قيل : هو يا حي يا قيوم ، وقيل
: يا ذا الجلال
والإكرام ، وقيل : يا الله يا رحمن ، وقيل
: يا إلهنا وإله كل
شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ، فمن أخلص النية ودعا بهذه الكلمات مع استجماع
شرائط الدعاء المعروفة فإنه يجاب لا محالة.
[٨٠٤] فإن قيل : كيف قالت : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [النمل : ٤٤] وهي
إنما أسلمت بعده على يده لا معه ؛ لأنّه كان مسلما قبلها؟
قلنا
: إنما عدلت عن تلك
العبارة إلى هذه لأنها كانت ملكة ، فلم تر أن تذكر عبارة تدل على أنها صارت مولاة
له بإسلامها على يده وإن كان الواقع كذلك.
[٨٠٥] فإن قيل : كيف يكونون صادقين وقد جحدوا ما فعلوا ، فأتوا
بالخبر على خلاف المخبر عنه؟
قلنا
: كأنهم اعتقدوا
أنهم إذا جمعوا بين البيانين ثم قالوا : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ
أَهْلِهِ) [النمل : ٤٩]
يعنون ما شهدناه وحده كانوا صادقين ، لأنهم شهدوا مهلكه ومهلك أهله.
[٨٠٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥] ونحن
نعلم الجنة والنار وأحوال القيامة وكلها غيب؟
قلنا
: معناه لا يعلم
الغيب بلا دليل إلا الله أو بلا معلم إلا الله ، أو جميع الغيب إلا الله. وقيل
معناه : لا يعلم ضمائر السموات والأرض إلا الله.