وراء كل آية ، فإذا جحدوا آياته ولم يعتدّوا بها وجعلوه كأنّ آية لم تنزل عليه قط كان موضعا يتعجب منه ، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم.
[٥٠٢] فإن قيل : كيف المطابقة بين قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] وقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) [الرعد : ٣٣].
قلنا : فيه محذوف تقديره : أفمن هو رقيب على كل نفس صالحة وطالحة يعلم ما كسبت من خير وشر ، ويعد لكل جزاء كمن ليس كذلك وهو الصنم ، ثم ابتدأ فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) [الرعد : ٣٣] ، أو تقديره : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا له شركاء ، أو التقدير : أفمن كان بهذه الصفة يغفل عن أهل مكة وأقوالهم وأفعالهم وجعلوا لله شركاء.
[٥٠٣] فإن قيل : كيف اتصل قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) [الرعد : ٣٦] بما قبله وهو قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد : ٣٦]؟
قلنا : هو جواب للمنكرين معناه : قل إنما أمرت فيما أنزل إليّ بأن أعبد الله ولا أشرك به ، فإنكارهم لبعضه إنكار لعبادة الله تعالى وتوحيده ، كذا أجاب به الزمخشري ، وفيه نظر.
[٥٠٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الرعد : ٤٢] أثبت لهم مكرا ثم نفاه عنهم بقوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) [الرعد : ٤٢]؟
قلنا : معناه أن مكر الماكرين مخلوق له ولا يصير إلا بإرادته ، فبهذه الجهة صحة إضافة مكرهم إليه.
الثاني : أنه جعل مكرهم كلا مكر ، بالإضافة إلى مكره ؛ لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون ، فيعكس مكرهم عليهم. فإثباته لهم باعتبار الكسب ، ونفيه عنهم باعتبار الخلق.