الردَّ الذي يمتدّ وقته بقياس ما بين أَوَّلِ النَّهَار إلى نصفِهِ ، وذلكَ نصفُ يوَمِ. وَلَيسَ يريدُ أنَّهُ يردُّها في هَذَا الوقتِ البتةَ. وإنَّما يُريدُ أَنَّه يردُّها مقدارَ نصفِ النَّهَارِ كَانَ ابتداءُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أوْ غيرِهِ مِن نهار أو ليل ، وَكَأَ نَّهُ قالَ : يردُّ الكتيبَةَ سِتَّ ساعات فَهَذَا لا يخصُّ نَهَاراً من ليل في هذا يُعْلَمُ أَنَّهُ لا يُريدُ : يَرُدُّهَا فِي وَقتِ انتصافِ النهار دون ما سواهُ مِنْ الأوَقاتِ.
وَكَذلِكَ : (وَنُزِلَ المَلائِكةُ) أَيْ : نُزِلَ نزولُ الملائكة ولو سُمِّيَ الفاعلُ على هذا التقدير : لقيلَ : نَزَلَ النَّازِلُ الملائكةَ ، فَنَصبَ الملائكةَ انتصابَ المصدرِ ، كما نصبَ الجدارَ انتصابَ المصدرِ لأَنَّ كُلَّ مضاف إليه يُحْذَفُ مِن قَبْله مَا كَانَ مضافاً إليه ، فَإنَّهُ يُعرَبُ إعرابَه لا زيادَةَ عليهِ وَلاَ نقص مِنْهُ (١).
فَإنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى نُزِل نُزولَ الملائكة حتَّى يصحَّ لك تَقْدِيرُهُ مُثبَتاً ثُمَّ تَحْذفه؟ فَإنَّهُ عَلَى قَوْلِكَ : هَذَا نُزولٌ مَنْزُولٌ ، وَهَذَا صعودٌ مَصْعُودٌ ، وَهَذَا ضَرْبٌ مَضرُوبٌ ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَولُهُمْ : قدْ قِيلِ فيهِ قولٌ وقد خِيفَ منه خوفٌ ، فاعرفْ ذلك فَإنَّهُ أَمْثَلُ ما يحتجُّ بِهِ لِقَرَاءَةِ مَن قَرَأ : (وَنُزِلَ الملائكةُ) بتخفيف الزاي فاعرفه (٢).
وَقَرأَ محمّد بن السُّمَيفَع : (فَتَبَسَّمَ ضَحِكاً مِن قَوْلِهَا) (٣) بفتح الضَّاد بغيرِ أَلف.
__________________
(١) مرَّ ذلك في : ص : ٢٣٣.
(٢) المحتسب : ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٢.
(٣) من قوله تعالى من سورة النمل : ٢٧ / ١٩ (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ).