باب التنازع
قَالَ تَعالَى : (أَن جَاءَهُ الأَعْمَى) (١) قال أَبو الفتح : أَمَّا (أنْ) على القراءَةِ العامّةَ فَمنصوبةٌ بـ (تَوَلَّى) لأَ نَّهُ الفعل الأَقرب منهَ ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : تَوَلَّى لَِمجِيءِ الأعمى ، وَمَن أَعمَلَ الأوّلَ (٢) نصبَ (أنْ) بـ (عَبَس) ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : عَبَسَ أن جاءَهُ الأَعمَى وَتَوَلَّى لِذَلِك ، فَحَذَفَ مَفعُولَ (تَوَلَّى) كَمَا تَقُولُ ضَرَبتُ فأوجعتُهُ زيداً إذا أعملتَ الأوَلَ ، وإنْ شِئتَ لَم تَأتِ بمفعولِ أَوْجَعْتَ ، فَقُلتَ : ضربتُ فَأَوجَعتُ زيداً ، أي : وأنتَ تُريدُ أُوجَعتُهُ ، إلاَّ أَنَّك حَذَفتَهُ تَخفِيفاً ، وَلِلعِلْمِ بِهِ ، وَالوجهُ إعمَالُ الثانِي لِقُربِهِ ، فَأمَّا أَنْ تَنصِبَهُ بِمَجمُوعِ الفِعلَينِ فَلاَ ، وهذا واضحٌ (٣).
باب الاشتغال
قرأ أَبو السَّـمَّـال : (إنّا كُلُّ شيء خَلَقْنَاهُ) (٤) بالرفعِ.
قال أَبو الفتح : الرفع هَنَا أقوى من النَّصبِ وإنْ كَانَتِ الجماعةُ على النَّصبِ ، وَذَلِك أَنَّهُ مِنْ مَواضِعِ الابتداءِ ، فَهُوَ كَقولِك زيدٌ ضربتُهُ ، وهو مذهبُ صاحبِ الكتابِ (٥) والجماعة (٦) وَذَلِك لأَ نَّها جُملةٌ وقعتْ في الأَصل خبراً عَن مبتدأ في قَولِك : نَحْنُ كُلُّ شيء خلقناهُ بِقَدَر ، فهو كقولك : هندٌ زيدٌ
__________________
(١) سورة عبس : ٨٠ / ٢.
(٢) الأوّل : (عبس) والثاني : (توَلَّى).
(٣) المحتسب : ٢ / ٣٢٥.
(٤) من قوله تعالى من سورة القمر : ٥٤ / ٤٩ : (إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر).
(٥) انظر : الكتاب : ١ / ٧٤.
(٦) أراد بالجماعة البصريين لأَنَّ هذا مذهبُهم. أُنظر : مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٧٠٢.