وَقَالَ أَبو الحسن حذف (في) فبقى (تجزيه) (١) ، لأَ نَّهُ أَوْصَلَ إِليْهِ الفِعْلُ ثُمَّ حَذَفَ الضَّمِيرَ مِنْ بَعدُ فَفَيهِ حَذْفَانِ مُتَتَالِيانِ شيئاً عَلَى شيء وَهَذا أَرفْقُ والنَّفْسُ بهِ أَبْسَأُ (٢) مِنْ أَنْ يُعْتَبَطَ الحَرْفَانِ مَعاً في وقت وَاحد. وَقَرَأَ أَيضاً : (وَحِيناً تُصبِحُونَ) والطريق واحد (٣).
شبه الجار والمجرور بالفعل
قَرَأَ أَبو جعفر يزيد : (لَعِبرَةً تَسْقِيكُمْ) (٤) قَالَ أَبو الفتح : لَيْسَ قَوْلُهُ : (تَسْقِيكُمْ) صفةً لِعبِرة كَقَوْلِك : لَعِبرَةٌ سَاقِيةٌ.
أَلا تَرَى أنّهُ لَيْسَتِ العِبْرَةُ الساقية ، وإِنَّمَا هُنَاك حَضُّ وَبَعْثٌ عَلَى الاعتبارِ بِسُقْيَاهَا لَنا أَوْ بِسُقْيَا اللهِ سُبْحَانَهُ إِيَّانَا مِنْهَا؟ فَالَوقْفُ إذاً على قولهِ : (لَعِبْرَةً) ثُمَّ استَأنَفَ تَعالَى تَفْسِيرَ العِبْرَة ، فَقَالَ : (تَسقِيكُم) هي ، أوْ (نُسْقِيكُمْ) نَحْنُ (مِمَّا فِي بطونِها) وَقَوْلُهُ (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كثيرةٌ) أَحَدُ ما يدلّ على قوّة شَبَهِ الظرفِ بالفعلِ.
ألاَ تَراهُ معطوفاً عَلَى قولِه : (نُسْقِيكُمْ)؟ والعطفُ نظيرُ التثنية ، والتثنية تَقْتَضِي تساوي حال الاسمين وتشابههما وَمِثْلُهُ في ذَلِك قولُ الآخر أَخبَرَنا بهِ أَبو بَكر محمّد بن الحسن عن أَبي العبَّاس أَحمد بن يحيى ثَعْلَب :
__________________
(١) انظر : معاني القرآن للأخفش : ٣٩ / أ.
(٢) أبسأ : آنس. انظر : مختار الصحاح ـ بسأ ـ : ٥١.
(٣) المحتسب : ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٤) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢١ : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقيِكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).