ومن ذلك أيضاً قوله :
زَمانَ عَليَّ غُرابٌ غُدَافٌ |
|
فَطَيَّرهُ الشَّيبُ عنّي فَطَارا |
فَعَطْفُهُ عَلى الظِّرفِ من أقوى دليل على شَبَهِهِ بهِ (١).
الجرّ بالمجاورة
قَرَأَ يَحْيَى والأَعْمَش : (ذُو القُوَّةِ المَتينِ) (٢).
قَالَ أَبو الفتح : يَحْتَمِلُ أمرين :
أَحدُهُمَا : أَنْ يكونَ وصفاً للقوّةِ كرَّه عَلَى مَعْنَى الحَبْلِ ، يُريدُ قَوي الحَبلِ ، لِقَولِهِ : (فَقَدِ اسْتَمْسَك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا) (٣).
والآخر : أَنْ يَكُونَ أَرادَ الرفعَ وصفاً للرَّزَّاقِ. إِلاَّ أَنَّهُ جاءَ عَلَى لفظِ القوّةِ لجوارِها إِيّاه. عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا جحرُ ضَبّ خَرِب (٤) ، وَعَلَى أنَّ هَذَا في النكرة ـ على ما فيه ـ أَسْهَل مِنْهُ في المعرفةِ وذَلك أَنَّ النَّكِرَةَ أشدُّ حَاجَة إلى الصِّفَةِ ، فبقدرِ قوّةِ حَاجَتِهَا إليها تتشبّثُ بالأَقرَبِ إلَيهَا فَيَجَوزُ : هَذَا جُحْرُ ضَبّ خَرِب لِقُوّةِ حاجةِ النَّكِرَةِ إلَى الصِّفَةِ.
فَأمَّا المَعرِفَةُ فَتَقِلُّ حاجتُها إلى الصفةِ ، فَبِقَدرِ ذَلِك لا يَسوغُ التَّشَبُّثُ بِمَا يقربُ مِنْهَا لاستغنائِها فِي غَالِبِ الأَمرِ عَنْهَا.
أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَجِبُ ألاَّ تُوَصَفَ المَعْرِفَةُ لَكِنَّها لَـمـَّا كَثُرتِ المعرفةُ
__________________
(١) المحتسب : ٢ / ٢٤٤.
(٢) من قولهِ تعالى من سورة الذاريات : ٥١ / ٥٨ : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٦.
(٤) الكتاب : ١ / ٣٤ و ٢١٧.