وجُزءُ الشيءِ لا يُعطَفُ عَلَى مَا مَضَى مِنهُ. فَإنْ قُلتَ : فَقَدْ أَقولُ : مَرَرْتُ بِرَجل قامَ فَضَربَ زَيداً فَكَيْفَ جَازَ العطفُ هُنَا؟ قِيلَ : إنَّمَا عَطفتَ صفةً على صفة ولَمْ تَعطِفْ الصِّفَةَ عَلى المَوصُوفِ مِنَ حَيْثُ كَانَ الشيءُ لاَ يُعطْفُ عَلَى نَفسِهِ لِفَسادِهِ (١).
الصفة تتم الموصوف
قَرَأَ أَبو جعفر والأَعمشُ وسَهلُ بنُ شُعيب : (وَعْدَ اللهِ حَقّاً أَنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٢).
قَالَ أَبو الفَتح : إنْ شِئْتَ كَانَ تَقديِرُهُ (٣) : أَيْ وَعَدَ اللهُ وَعْداً حَقّاً أَنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يعيدهُ ، فتكون (أَنَّهُ) منصوبةً بالفعلِ النَّاصِبِ لِقُولِهِ : (وعْداً) ولا يجوزُ أَنْ يكونَ (أَنَّهُ) منصوبةَ الموضِعِ بِنفسِ (وعْد) لاَِ نَّهُ قَدْ وُصِفَ بقولِهِ حقّاً ، والصّفَةُ إذَا جَرَتْ عَلَى مَوصُوفِها أَذِنَتْ بِتََمامِهِ وانقضاءِ أَجزَائِهِ ، فَهْيَ فِي صِلَتِهِ ، فِكَيفَ يوصَفُ قَبْلَ تَمَامِهِ؟ فَأَمَّا قَولُ الحُطَيئَة :
أزمعتُ يَأساً مُبيناً مِنْ نَوالِكُمُ |
|
ولَن تَرى طَارِداً للحُرِّ كَالياسِ (٤) |
فَلاَ يَكُونُ قَولَهُ : (مِنْ نَوالِكُمُ) مِنْ صِلَةِ يَاس مِنْ حيثُ ذَكَرْنَا.
ألا تَرَاهُ قَدْ وصَفَهُ بقولِهِ : (مُبِيناً)؟ وإذا كَانَ المُعْنَى لَعَمْرِي عَلَيهِ ومنع الإعراب منه أَضْمَر لَهُ ما يَتنَاوَلُ حرفَ الجَرِّ ، ويَكونُ يَأساً دَلَيلاً عَلَيهِ ، كَأَنَّهُ
__________________
(١) المحتسب : ٢ / ١٠٠ ـ ١٠١.
(٢) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٤ : (وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ).
(٣) ولَهُ تقديرُ آخر تقدّم في : ص : ١٧٣ وذكره أَبو الفتح في المحتسب : ١ / ٣٠٧.
(٤) تقدّم الشاهد في : ص : ١٧٤.