وتقديم قوله : (عَنْ عِبادَتِكُمْ) على عامله للاهتمام وللرعاية على الفاصلة.
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ)
تذييل وفذلكة للجمل السابقة من قوله : وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] إلى هنا. وهو اعتراض بين الجمل المتعاطفة.
والإشارة إلى المكان الذي أنبأ عنه قوله : (نَحْشُرُهُمْ) [يونس : ٢٨] أي في ذلك المكان الذي نحشرهم فيه. واسم الإشارة في محل نصب على الظرفية. وعامله (تَبْلُوا) ، وقدم هذا الظرف للاهتمام به لأن الغرض الأهم من الكلام لعظم ما يقع فيه.
و (تَبْلُوا) تختبر ، وهو هنا كناية عن التحقق وعلم اليقين. و (أَسْلَفَتْ) قدّمت ، أي عملا أسلفته. والمعنى أنها تختبر حالته وثمرته فتعرف ما هو حسن ونافع وما هو قبيح وضار إذ قد وضح لهم ما يفضي إلى النعيم بصاحبه ، وضده.
وقرأ الجمهور (تَبْلُوا) بموحدة بعد المثناة الفوقية. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بمثناة فوقية بعد المثناة الأولى على أنه من التلو وهو المتابعة ، أي تتبع كل نفس ما قدمته من عمل فيسوقها إلى الجنة أو إلى النار.
(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ)
يجوز أن تكون معطوفة على جملة : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) فتكون من تمام التذييل ، ويكون ضمير (ردوا) عائدا إلى (كل نفس). ويجوز أن تكون معطوفة على قوله و (يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٢٨] الآية فلا تتصل بالتذييل ، أي ونردهم إلينا ، ويكون ضمير (ردوا) عائدا إلى الذين أشركوا خاصة. والمعنى تحقق عندهم الحشر الذي كانوا ينكرونه. ويناسب هذا المعنى قوله : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) فإن فيه إشعارا بالتورك عليهم بإبطال مواليهم الباطلة.
والرد : الإرجاع. والإرجاع إلى الله الإرجاع إلى تصرفه بالجزاء على ما يرضيه وما لا يرضيه وقد كانوا من قبل حين كانوا في الحياة الدنيا ممهلين غير مجازين.