لوصف اليوم بعصيب. وأراد : أنه سيكون عصيبا لما يعلم من عادة قومه السيئة وهو مقتض أنهم جاءوه نهارا.
ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا علم أنه لا مخلص منه ضاق به ذرعا ، ثم يصدر تعبيرا عن المعاني وترتيبا عنه كلاما يريح به نفسه.
وتصلح هذه الآية لأن تكون مثالا لإنشاء المنشئ إنشاءه على حسب ترتيب الحصول في نفس الأمر ، هذا أصل الإنشاء ما لم تكن في الكلام دواعي التقديم والتأخير ودواعي الحذف والزيادة.
(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨))
أي جاءه بعض قومه. وإنما أسند المجيء إلى القوم لأن مثل ذلك المجيء دأبهم وقد تمالئوا على مثله ، فإذا جاء بعضهم فسيعقبه مجيء بعض آخر في وقت آخر. وهذا من إسناد الفعل إلى القبيلة إذا فعله بعضها ، كقول الحارث بن وعلة الجرمي :
قومي هم قتلوا أميمة أخي |
|
فإذا رميت يصيبني سهمي |
و (يُهْرَعُونَ) ـ بضم الياء وفتح الراء على صيغة المبني للمفعول ـ فسّروه بالمشي الشبيه بمشي المدفوع ، وهو بين الخبب والجمز ، فهو لا يكون إلا مبنيّا للمفعول لأن أصله مشي الأسير الذي يسرع به. وهذا البناء يقتضي أن الهرع هو دفع الماشي حين مشيه ؛ إلّا أن ذلك تنوسي ، وبقي أهرع بمعنى سار سيرا كسير المدفوع ، ولذلك قال جمع من أهل اللغة: إنّه من الأفعال التي التزموا فيها صيغة المفعول لأنها في الأصل مسندة إلى فاعل غير معلوم. وفسّره في «الصحاح» و«القاموس» بأنه الارتعاد من غضب أو خوف ، وعلى الوجهين فجملة (يُهْرَعُونَ) حال.
وقد طوى القرآن ذكر الغرض الذي جاءوا لأجله مع الإشارة إليه بقوله : (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) فقد صارت لهم دأبا لا يسعون إلّا لأجله.
وجملة (قالَ يا قَوْمِ) إلخ مستأنفة بيانيا ناشئا عن جملة (وَجاءَهُ قَوْمُهُ) ، إذ قد علم السامع غرضهم من مجيئهم ، فهو بحيث يسأل عمّا تلقّاهم به.