الحياة الدنيا. وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على الحال من (بغيكم). ويجوز أن يكون انتصابه على الظرفية للبغي ، لأن البغي مصدر مشتق فهو كالفعل فناب المصدر عن الظرف بإضافته إلى ما فيه معنى المدة. وتوقيت البغي بهذه المدة باعتبار أنه ذكر في معرض الغضب عليهم ، فالمعنى أنه أمهلكم إمهالا طويلا فهلا تتذكرون؟ فلا تحسبون الإمهال رضى بفعلكم ولا عجزا وسيؤاخذكم به في الآخرة. وفي كلتا القراءتين وجوه غير ما ذكرنا.
والمتاع : ما ينتفع به انتفاعا غير دائم. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) في سورة الأعراف [٢٤]. والمعنى على كلتا القراءتين واحد ، أي أمهلناكم على إشراككم مدة الحياة لا غير ثم نؤاخذكم على بغيكم عند مرجعكم إلينا.
وجملة : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) عطفت ب (ثم) لإفادة التراخي الرتبي لأن مضمون هذه الجملة أصرح تهديدا من مضمون جملة (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ).
وتقديم المجرور في قوله : (إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) لإفادة الاختصاص ، أي ترجعون إلينا لا إلى غيرنا تنزيلا للمخاطبين منزلة من يظن أنه يرجع إلى غير الله لأن حالهم في التكذيب بآياته والإعراض عن عبادته إلى عبادة الأصنام كحال من يظن أنه يحشر إلى الأصنام وإن كان المشركون ينكرون البعث من أصله.
وتفريع (فَنُنَبِّئُكُمْ) على جملة : (إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) تفريع وعيد على تهديد. واستعمل الإنباء كناية عن الجزاء لأن الإنباء يستلزم العلم بأعمالهم السيئة ، والقادر إذا علم بسوء صنيع عبده لا يمنعه من عقابه مانع. وفي ذكر (كُنْتُمْ) والفعل المضارع دلالة على تكرر عملهم وتمكنه منهم. والوعيد الذي جاءت به هذه الآية وإن كان في شأن أعظم البغي فكان لكل آت من البغي بنصيب حظا من هذا الوعيد.
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))
هذه الآية تتنزل منزلة البيان لجملة (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [يونس : ٢٣] المؤذنة بأن