والصدور مراد بها النفوس لأن العرب يعبرون عن الحواسّ الباطنية بالصدر.
واختيار مثال المبالغة وهو (عَلِيمٌ) لاستقصاء التعبير عن إحاطة العلم بكل ما تسعه اللغة الموضوعة لمتعارف الناس فتقصر عن ألفاظ تعبر عن الحقائق العالية بغير طريقة استيعاب ما يصلح من المعبرات لتحصيل تقريب المعنى المقصود.
وذات الصدور : الأشياء المستقرة في النفوس التي لا تعدوها. فأضيفت إليها.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦))
عطف على جملة : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [هود : ٥]. والتقدير : وما من دابّة إلّا يعلم مستقرها ومستودعها ، وإنما نظم الكلام على هذا الأسلوب تفننا لإفادة التنصيص على العموم بالنفي المؤكد ب (من) ، ولإدماج تعميم رزق الله كل دابّة في الأرض في أثناء إفادة عموم علمه بأحوال كل دابة ، فلأجل ذلك أخّر الفعل المعطوف لأن في التذكير بأن الله رازق الدواب التي لا حيلة لها في الاكتساب استدلالا على أنّه عليم بأحوالها ، فإن كونه رازقا للدواب قضية من الأصول الموضوعة المقبولة عند عموم البشر ، فمن أجل ذلك جعل رزق الله إياها دليلا على علمه بما تحتاجه.
والدابة في اللغة : اسم لما يدب أي يمشي على الأرض غير الإنسان.
وزيادة (فِي الْأَرْضِ) تأكيد لمعنى (دَابَّةٍ) في التنصيص على أن العموم مستعمل في حقيقته.
والرزق : الطعام ، وتقدم في قوله تعالى : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [آل عمران : ٣٧].
والاستثناء من عموم الأحوال التابع لعموم الذوات والمدلول عليه بذكر رزقها الذي هو من أحوالها.
وتقديم (عَلَى اللهِ) قبل متعلقه وهو (رِزْقُها) لإفادة القصر ، أي على الله لا على غيره ، ولإفادة تركيب (عَلَى اللهِ رِزْقُها) معنى أن الله تكفّل برزقها ولم يهمله ، لأن (على) تدل على اللزوم والمحقوقية ، ومعلوم أن الله لا يلزمه أحد شيئا ، فما أفاد معنى اللزوم فإنّما هو التزامه بنفسه بمقتضى صفاته المقتضية ذلك له كما أشار إليه قوله تعالى : (وَعْداً عَلَيْنا) [الأنبياء : ١٠٤] وقوله : (حَقًّا عَلَيْنا) [يونس : ١٠٣].