الْمُحْسِنِينَ) [هود : ١١٥] بعدها.
وأمّا الذين رجّحوا أنّ السورة كلّها مكيّة فقالوا : إنّ الآية نزلت في الأمر بإقامة الصّلوات وإن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبر بها الذي سأله عن القبلة الحرام وقد جاء تائبا ليعلمه بقوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ، فيؤوّل قول الراوي : فأنزلت عليه ، أنّه أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضيّة السائل ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب غير الفواحش.
ويؤيّد ذلك ما في رواية الترمذي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قوله : فتلا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) ، ولم يقولا : فأنزل عليه.
وقوله : (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) أي تذكرة للّذي شأنه أن يذكر ولم يكن شأنه الإعراض عن طلب الرشد والخير ، وهذا أفاد العموم نصّا. وقوله : (ذلِكَ) الإشارة إلى المذكور قبله من قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [هود : ١١٢].
(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥))
عطف على جملة (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) [هود : ١٠٩] الآيات ، لأنّها سيقت مساق التّثبيت من جرّاء تأخير عقاب الذين كذبوا.
ومناسبة وقوع الأمر بالصّبر عقب الأمر بالاستقامة والنّهي عن الركون إلى الذين ظلموا ، أنّ المأمورات لا تخلو عن مشقة عظيمة ومخالفة لهوى كثير من النفوس ، فناسب أن يكون الأمر بالصبر بعد ذلك ليكون الصبر على الجميع كلّ بما يناسبه.
وتوجيه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تنويه به. والمقصود هو وأمته بقرينة التعليل بقوله : فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) لما فيه من العموم والتفريع المقتضي جمعهما أنّ الصبر من حسنات المحسنين وإلا لما كان للتفريع موقع. وحرف التأكيد مجلوب للاهتمام بالخبر.
وسمّي الثواب أجرا لوقوعه جزاء على الأعمال وموعودا به فأشبه الأجر.
(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦))