وجملة (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) في موضع الحال من اسم الجلالة ، أي الله أعز في حال أنكم نسيتم ذلك. والاتّخاذ : الجعل ، وتقدّم في قوله : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) في سورة الأنعام [٧٤].
والظهريّ ـ بكسر الظاء ـ نسبة إلى الظهر على غير قياس ، والتغييرات في الكلم لأجل النسبة كثيرة. والمراد بالظهريّ الكناية عن النسيان ، أو الاستعارة لأن الشيء الموضوع بالوراء ينسى لقلة مشاهدته ، فهو يشبه الشيء المجعول خلف الظهر في ذلك ، فوقع ظِهْرِيًّا) حالا مؤكّدة للظرف في قوله : (وَراءَكُمْ) إغراقا في معنى النسيان لأنّهم اشتغلوا بالأصنام عن معرفة الله أو عن ملاحظة صفاته.
وجملة (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) استئناف ، أو تعليل لمفهوم جملة (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) الذي هو توكله عليه واستنصاره به.
والمحيط : الموصوف بأنه فاعل الإحاطة. وأصل الإحاطة : حصار شيء شيئا من جميع جهاته مثل إحاطة الظرف بالمظروف والسور بالبلدة والسوار بالمعصم. وفي «المقامات الحريرية» :
«وقد أحاطت به أخلاط الزمر ، إحاطة الهالة بالقمر ، والأكمام بالثمر». ويطلق مجازا في قولهم : أحاط علمه بكذا ، وأحاط بكل شيء علما ، بمعنى علم كل ما يتضمّن أن يعلم في ذلك ، ثم شاع ذلك فحذف التمييز وأسندت الإحاطة إلى العالم بمعنى : إحاطة علمه ، أي شمول علمه لجميع ما يعلم في غرض ما ، قال تعالى : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) [الجن : ٢٨] أي علمه. ومنه قوله هنا : (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) والمراد إحاطة علمه. وهذا تعريض بالتهديد ، وأنّ الله يوشك أن يعاقبهم على ما علمه من أعمالهم.
(وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)).
عطف نداء على نداء زيادة في التنبيه ، والمقصود عطف ما بعد النداء الثاني على ما بعد النداء الأوّل.
وجملة (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) تقدّم تفسير نظيرها في سورة الأنعام.